وأخيرا " الحكومة الملتحية " كما يحلو للبعض أن يسميها ترى النور والبسمة والحياة بعد مخاض طويل عسير عرف عدة مشاورات من هنا وعدة ترقيعات من هناك ، وبغض النظر عمن سيكون له حكم البلاد حقيقة وعمن ستؤول له سلطة التحكم هل هي حكومة الظل برئاسة الكابتن " فؤاد " أم حكومة الصورة برئاسة " الأخ " عبد الإله ، وبغض النظر عن جدوى الإبقاء على بعض الأشخاص المنبوذة شعبيا في وزارات ظلت كما كانت " سيادية " ضد على رغبات فئة عريضة من الشعب ، وبغض النظر عن الوزارة المجهولة الحقيبة وعن كثرة الانتدابات الحكومية والمناصب الشكلية هنا وهناك ، وبعيدا عن الكلام في لغة الأرقام التي تكون منها الفريق الحكومي والتي لم تحترم " التقشف "رغم كثرة القيل والقال حول هذا الأمر ، وبعيدا عن المفاجآت التي رافقت الإعلان عن أعضاء الحكومة والتي أذهلت البعض من قبيل الإكتفاء بامرأة واحدة في التشكيلة الحكومية وتغييب رائحة الصحراء المغربية عنها ، وبعيدا عن كل "الحزازات" الشخصية والأحكام الانتمائية التصنيفية التي لا تسمن ولا تغني عن جوع ، بعيدا عن كل هذا وذاك ، وحتى لا تنسينا فرحة حكومة " الإسلاميين " واقعنا السياسي ، والاجتماعي والإقتصادي والثقافي ، وجب علينا وضع النقاط على الحروف لا تعجيزا يضع " العصي في العجلة " أمام هذه الحكومة " الشبابية "ولكن وفاء بواجب النصيحة لمن هو أهل لها ولمن هو في حاجة إليها ، ورغم أنني لا أدعي أهلية النصح ولا الإلمام بشروطه ومقتضياته فإن غيرتي على هذا الوطن تدفعني لذلك ، والله ولي التوفيق من قبل ومن بعد . لقد قال رئيس الحكومة المعينة عقب الإعلان عن فريقه الحكومي أن "اليوم هو للمستقبل وبداية العمل ونحن نتوفر على إرادة حقيقية للإصلاح" ، وهي كلمة كانت ستوافق الصواب لو قيلت في بلد لا وجود فيه لحكومتين ، وكانت ستلامس الحقيقة والحق معا لو قيلت في بلد لا تصطدم فيه الإرادات والرغبات والأمنيات والاقتراحات بظلال لا تمنح حق صناعة وتصدير القرار إلا ليد واحدة توحي لمن رآها من بعيد أنها تعمل على تشييد قلاع الديمقراطية السليمة المبرأة من كل عيب وتؤكد لمن اقترب منها وحاول سبر عروقها وأغوارها أن أي نظام سياسي مهما كانت الصورة المتبعة في تبنيه ومهما علت إنجازاته وتعددت شعاراته سيتحول لا محالة بفعل سطوة الفرد الواحد وفي ظل غياب دستور متفق عليه بين كل شرائح المجتمع إلى نظام استبدادي العدل فيه مجرد شعار والجور فيه أساس لا استثناء، والمواطنة بين ثناياه لا تخرج عن مجرد الطاعة العمياء، والاقتصاد في حيزه لا يستقل عن سلطة النهب والسرقة ولا يساهم في خلق تنمية تسجل أو تقدم يذكر... لقد قال السيد رئيس الحكومة ، الأخ عبد الإله بنكيران أن " أي حكومة في العالم لا تستطيع أن تقوم بدورها إلا إذا كان الشعب معها، وإلا إذا كان معبأ بكافة طاقاته باتجاه الإصلاح " ، ولست أدري هل نسي السيد الرئيس وهو المناضل النحرير أن هذا الشعب ومن زمان بعيد يريد أشياء وأشياء ويطمع لأن يرى بأم عينيه ما يريده ويبتغيه واقعا حيا يتحقق بعيدا عن شعارات ووعود ترفع لإسكاته هنا وهناك ، ولست أدري هل تناسى السيد رئيس الحكومة أن هذا الشعب الذي عزفت الثلة العريضة منه عن الانتخابات التشريعية وقررت مقاطعتها من تلقاء قناعاتها، يريد كغيره من الشعوب التي تعيش تحت وطأة الاستبداد السياسي أن يسقط ما لهذا الاستبداد من أصول وفروع وأن يؤسس لحاضر الديمقراطية الحقيقية ، حتى لا يتعايش بالجبر والإكراه مع سلطة واحدة يريد المحتمون بها واللاعبون تحت ظلالها لهذا الشعب أن يكون إمعة لا رأي له ولا سلطة يملكها حتى لا يضيق عليهم فيما يبخسون وينهبون ويسرقون من خيرات وثروات ، وعليه وحتى لا نتهم أخانا " الرئيس " بالتناسي ، فإن " المعية " التي يطلبها تدخل إن صح التعبير في باب المستحيلات لأن المؤشرات الدالة على القطيعة مع سياسة الماضي ما تزال نسبتها وميزتها تتراوح بين ضعيفة و ضعيفة جدا ، ولا أدل على ذلك هو ما تطرق له البعض عقب تشكيل الحكومة من ملاحظات وانتقادات أهمها ما قلنا أننا غضضنا عنه الطرف وابتعدنا عن مناقشته في بداية هذا المقال . لقد علمنا التاريخ بما درسنا فيه من تجارب أن من كانت ميزته تتراوح ما بين ضعيف وضعيف جدا لن يعرف للنجاح طعما ولا طريقا ولن يجد إلا الرسوب في آخر المطاف ، ليس لأنه لم يجتهد ولم يبذل مجهودا يشكر عليه، بل لأنه لم يملك أساسا من الصحة يقف عليه ويقيه شر الرسوب في الامتحان ، والمتأمل في السياسة المغربية يجدها هي هي ، لا تتغير إلا الوجوه الممارسة لها فقط ، ولا يعتمد فيها إلا على الترقيع وذر الرماد في العيون ، أما التغيير الملامس للجوهر والعمق فحتى لو أزيلت كل النظارات السوداء من الوجود فلن تجد له في السياسة المغربية رسما ولا أثر ، والخوف كل الخوف اليوم على تلك الحكومة ذات المصابيح المشرقة من العودة بنهاية .... محرقة .