حراك محموم صوب المجلس العسكري بالسودان، من قوى دولية وإقليمية، كلا يبحث عن قضايا وملفات وتوضيحات وثبيت مواقف، وكذا مصالح. وذلك أمر طبيعي بحسب المحلليين باعتبار أن قيادة المجلس الحالية لم يكن في الحسبان، أنها ستتولى رئاسة البلاد في ظرفها الراهن والمعقد، إلا أن الشارع والمتعصمين أمام مقر الجيش السوداني، عجل بصعود عبد الفتاح برهان ومحمد دقلو “حميدتي” إلى قمة السلطة العسكرية، عقب تنازل عوض بن عوف، ورئيس الاركان السابق ونائب رئيس المجلس، كمال عبد المعروف ، أثر الهبة الشعبية المتواصلة والرافضة لهم في الشارع السوداني. ولكن هذا الحراك في الشارع الذي يطالب المجلس بالمزيد وإلا أخضعه للسقوط الثالث كما يردد المتظاهرون أمام مقر قيادة الجيش، لم يمنع المجلس العسكري من التحرك على المستوى السياسي خارجياً، وانخرط نائب رئيس المجلس، محمد حمدان ” حميدتي” في لقاءات بعدد من سفراء الاتحاد الاوربي والقائم بالاعمال الأمريكي.
وفي ظل غضبة الشارع الذي يواصل اعتصامه لليوم الحادي عشر، جاء التأييد والدعم من دولتي السعودية والأمارات مبكراً ما أثار تساؤلات حول هذا الدعم، خصوصا حول ما إذا كان على خلفية الصراع الخليجي، ووسط استقطاب حاد لدول المنطقة العربية في إطار محورين ، محور الحلفاء السعوديين والمصريين والأماراتيين ، والمحور القطري. وبعد ساعات من بيان المجلس العسكري الانتقالي،السبت، أعلن فيه أن الفترة الانتقالية ستكون عامين ويسلم السلطة لحكومة مدنية، أعلنت السعودية دعمها خطواته داعية الشعب السوداني لتغليب المصلحة الوطنية. وأشارت وسائل الإعلام السعودية أن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وجه بتقديم حزمة من المساعدات الإنسانية إلى السودان تشمل أدوية ومشتقات بترولية وقمح. ولم تتخلف الأمارات أيضا عن دعمها وتأييدها للمجلس العسكري، و لعبد الفتاح البرهان وتسلمه رئاسة المجلس العسكري الانتقالي. وقال بيان رسمي صادر من وزارة الخارجية الإماراتية إن أبو ظبي “تتابع باهتمام التطورات التي يمر بها السودان”. وأكدت “دعمها وتأييدها للخطوات التي أعلنها المجلس العسكري الانتقالي في السودان للمحافظة على الأرواح والممتلكات والوقوف إلى جانب الشعب السوداني”: كما لم يتأخر نائب رئيس المجلس العسكري، محمد حمدان “حميدتي” في رد الجميل لدول التحالف العربي معلنا بقاء القوات السودانية في اليمن. وأكد بقائها حتى تحقق الأهداف في تصريح لوكالة الأنباء السودانية الإثنين، مضيفاً ” متسمكون بالالتزام ببقاء القوات السودانية في اليمن إلى أن نحقق أهدافنا” “. ولكن بحسب مراقبين، فأدوار رئيس المجلس البرهان، ونائبه “حميدتي” في نظام المعزول البشير، تجعل دعم السعودية والامارات لهما منطقياً باعتبار أنهما عملا معاً في ملف الحرب في اليمن. وأشرف البرهان على القوات السودانية التي تقاتل في اليمن ضمن الحلف العربي منذ مارس 2015 ، وأشرف على هذه القوات بوصفه رئيس أركان القوات البرية، وتكررت زيارته إلى الامارات ضمن مهامه المتربطة بهذا الملف.أما حميدتي فهو الأكثر أهمية بالنسبة لهاتين الدولتين كون أنه من يرسل جنوده من قوات الدعم السريع إلى اليمن لتقاتل هناك. فالبرهان الذي أجرى اتصالات مع رؤساء دول أمس الأحد وفق ما قال الناطق الرسمي باسم المجلس، زين العابدين الكباشي لدول ” الامارات والسعوديةوقطر وإثيوبيا وجنوب السودان”، يحاول أن يكسب دعم عربي لمجابهة الفترة القادمة. قد يكون دخول محور الامارات والسعودية، بمثل ما يشكل للبرهان وحميدتي من دعم، فقد يشكل أيضا خصما عليهما، فالميل تجاه محور على حساب محور أخر في ظل اوضاع مضطربة قد يكون مغامرة غير مأمونة العواقب. وذلك ما تداركه تجمع المهنيين وحلفائه في المعارضة، الذين أكدوا على أن مهمة المجلس الرئاسي للفترة الانتقالية تشكيل حكومة مدنية من الكفاءات، والتي من ضمن مهامها اتخاذ علاقات خارجية تقوم على البعد عن المحاور في العلاقات الخارجية. ولم يذكر التجمع بالاسم محورا محددا، إلا أنه أكد على علاقة خارجية بعيدة عن المحاور سوى كانت إقليمية أو دولية، مايعنى أن محور (السعودية – الامارات) لن يكون في أولوية تجمع المهنيين حال استطاع تحقيق اهدافه في مقبل الأيام، استناد على زخم الشارع الذي أصبح يراه قائداً للحراك ويثق في خطواته، كون أنه لايزال يصر على مطالب يراه الشعب والمعتصمين تمثله. وبحسب مراقبين فإن طموح ” حميدتي” السياسي المتزايد، الذي يكسب أرضا جديدة كل يوم، يجعله هدفا لدول الامارات والسعودية لمزيد من الدعم لتوطيد حكم المجلس العسكري اولاً. فالمنصب العسكري الذي ناله بأن يكون نائب رئيس المجلس العسكري، هو الأرفع في مسيرته فمن مجرد قائد قوة مقاتلة في دارفور غربي البلاد إلى ثاني رجل في أعلى سلطة بالبلاد. ويبدو ان اعتماد الرجل على حلفائه العرب يرضى طموحه الحالي، وكذلك المستقبلي طالما أنه يصبو للترقي أكثر ليصبح الرجل الاول في البلاد معولاً على الدعم السعودي الإماراتي. إلا أن حراك الشارع والغضب المتزايد تجاه المتنامي تجاه المجلس العسكري قد يطح بأحلام الرجل، لاسيما أن أواخر حكم البشير شهدت تشكل رأي عام رافض لمشاركة السودانيين في القتال باليمن. وصارت الصحف السودانية تتناول ذلك الشأن بالرفض، إلى درجة أنه تم تداول ضرورة انسحاب القوات السودانية من اليمن أكثر من مرة وأستدعي على أثرها وزير الدفاع السابق.