أخذت وقتا كافيا للتأمل في مخلفات سنة 2011 على مستوى الهجرة ومغاربة العالم وهي بالطبع مليئة بالمستجدات والأحداث ، تأثيرات الأزمة العالمية، متغيرات في السياسات الحكومية في بلدان الهجرة ، سياسة الإقصاء والتهميش وعدم المشاركة في الاستحقاقات الوطنية في البلد الأم وغيرها من الأحداث العالمية والربيع العربي وسقوط ديكتاتوريات وأنظمة بائدة. سنة 2011 كانت حافلة جدا و في هذه الجولة التأملية وقفت عند محطتين فيهما حالتان متشابهتان في اللقب والأصل لكنهما مختلفتان كثيرا في الحدث والفعل، يتعلق الأمر بحالة نورا لدين العمراني الشاب المغربي البلجيكي المولد والنشأة ، هذا الشاب الذي ظهر فجأة لواجهة الحدث في المهجر بسبب جريمة شنعاء فجر فيها عنفا خاصا وقتل ابرياء وسط مدينة لييج ،قبل أن يطلق رصاصة في رأسه وينهي مسار حياة مر لا يتجاوز الخامسة والثلاثين عاما ، وقد مسني من الغبن ما مس كثير من المهاجرين المغاربة بالخصوص ، فمثل هذه الأحداث تعمق من اغترابنا وتشعرنا بالهزيمة من جديد، لكوننا لم نتمكن بعد من أن نكون مواطنين بعيدين عن ارتكاب الجريمة في الهناك بعيدا عن ريحة البلاد . حينما تكون الجريمة بأصول مغربية تتقوى شوكة الجلادين الأوروبيين الذين يمعنون الاتهام بأننا منحرفين دخيلين عن التحضر بالرغم من أن الانحرافات تشمل كل أبناء أوروبا والعالم . تأملت وضع نور الدين أكثر حينما وردت أخبار مفصلة عن حياته المغتربة فعلا، فهو ابن أسرة مفككة تخلى عنه والديه معا وتربى في مؤسسة للدولة وتبنته عائلة بلجيكية قبل أن تتخلى عنه هي الأخرى. في ثنايا حياة نورا لدين البلجيكي الذي لا يتكلم الدارجة المغربية ولا يعرف المغرب حق المعرفة، تشتت أسري وتمزق نفسي رهيب أودى به إلى عالم الممنوع في غياب حضن حقيقي يمنحه الحب والرعاية .إن ماحدث لنور الدين يحدث هنا وهناك لأبنائنا الذين يصبحون بين عشية وضحاها ضحية بشعة لأنانية الوالدين ،الذين يتملصون لمسؤولياتهم التربوية ويلقون بأبنائهم فريسة لمجتمع غريب عنهم في غياب تام للحماية والأصول والتقاليد . التوجيه مسؤولية الآباء والتوجيه يتأتى من الشعور بالأمان والرعاية التي لا يمكن أن يوفره سوى حضن عائلة تقدر معنى الرسالة الملقاة على عاتقها ، للأسف افتقد نور الدين الدفء الأسري والإحساس بالأمان مبكرا وكان يرفض الحديث عن أبويه ففجر طاقاته في الممنوع والمحذور ، نور الدين في تقديري ضحية تشتت رهيب،فقد واجه وحده صعوبة الحياة باغتراب قاس جعله يحقد على الجميع ،الأمر الذي أفقده توازنه النفسي ،ولعل انتمائه المغربي واسمه ولونه الأسمر عمق الهوة وأقدر أيضا أنه أراد أن يكون مواطنا بلجيكيا بطريقته وأسلوبه لكنه لم يجد مكانا كافيا حتى في قلوب أهله البلجيكيين،وقع في اندماج أحادي الاتجاه خال من أسس الهوية والانتماء ونشأة احتواها البؤس والكراهية . أخمن أن نور الدين شعر بالحقرة في موطنه ولم يجد وطنا غيره أو أهلا غير الذين عاش بينهم وحيدا مغتربا ، نور الدين ضحية تحتاج حياته لحنكة مخرج سينمائي كبير يسلط الضوء على مسار حياة مثقلة بالإكراهات الاجتماعية والنفسية حولت نور الدين العمراني إلى ظلام عالم اللامشروعية حيث الاتجار بالسلاح والمخدرات عالم المغامرات والمافيا . في نفس الوقت يحضرني نصر الدين ادشر الهولندي هذا الشاب الذي أهدى المغاربة المهاجرين رد الاعتبار لاسم مغربي مهاجر، حينما نجح في انتزاع لقب أفضل ممثل في مهرجان السينما الهولندية بأوتريخت وابتهج بنجاحه مفتخرا، بل وصدح صوته عاليا أمام جمهور غفير وهو يوجه كلمته لوالديه وأشقائه الحاضرين ضمن جمهور المدعوين بقوله "نبغيكم ونموت عليكم" ورأينا كيف أفحمت كلماته الحاضرين والمشاهدين عبر التلفزيون وكان النقل مباشرا مرر خطاب تسامح للحكومة الهولندية والساسة الجدد من الحزب اليميني لفلدرز وآخرون وعبر أنه مواطن صالح منتج رغم أنه ابن مهاجر مغربي ساهم هو الآخر في نجاحه وفي اندماجه في وطنه وعبر بكل حرية عن هويته المغربية وإسلامه ،صفق له جمهورا لفنانين والسينمائيين والسياسيين والمثقفين ورجال الأعمال ،وهكذا كنا أمام نصرا لدين الهولندي المغربي بمواصفات الاندماج والمواطنة الكاملة . شتان بين نور الدين القاتل ونصر الدين الفنان المتألق.المسافة بينهما طويلة ومركبة والسبب يكمن في كلمة واحدة وهي الحب ، نصر الدين الهولندي مفعم بالحب عاش بين أحضان والديه معززا مكرما أما نور الدين البلجيكي عاش فقيرا معدما من الحب ،الأمان الأسري في المهجر هو الوصفة الأساسية لأي نجاح أو أي إخفاق لكن للأسف عدد لايستهان به من الأسر المغربية في المهجر لم تعي الدرس بعد ،ولازالت الخلافات الزوجية تتسبب في كوارث إنسانية تمشي وتعيش بيننا ومعنا وهي قابلة للانفجار في أي وقت ،كما حدث لنور الدين العمراني الذي لفظه التشتت الأسري جثة هامدة .نطلب له الرحمة هناك في الدار الآخرة لأن أكيد أن عذاباته كانت قاسية ومضنية.في مقال سابق حييت نجاح نصرالدين في هولندا فهل أسخط هنا على نورالدين في بلجيكا، لقد مات وذهب سر تمزقه معه ، نور الدين وأمثاله يحتاجون منا على الرغم من فظاعة الحدث إلى الشفقة لأنه أيضا منا وإلينا ولابد أن نقف وقفة تأمل كبير ،فأبناء المهجر معرضون للخطر ومن واجبنا التنبيه له. ونحن نودع 2011 أتمنى أن تكون وقفتي التأملية للعام الجديد أكثر تفاؤلا لنستشرف تألق" نورالدينات ونصرالدينات" في جميع المجالات سياسية كانت أو سينمائية أو وثقافية أو رياضية. سنة سعيدة للجميع وكل عام وأبناؤنا بخير.