قال مصطفى الرميد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، “أنا مطمئن لما أقوم به، وليس بإمكاني الإعلان عن كل ذلك، وهناك الكثير مما أنجزناه”، مشيرا إلى أنه “لولا وزير الدولة في حقوق الإنسان لكان وقع ما لا ينبغي أن يقع، فعلى الأقل لدي أربع إلى خمس تدخلات حمائية في الأسبوع”. جاء ذلك في عرض من 50 دقيقة، قدمه الرميد تحت عنوان “التطور التشريعي والمؤسساتي على ضوء دستور 2011″، في ندوة نظمتها أمس الجمعة 5 أبريل الجاري، “مؤسسة طنجة الكبرى للشباب والديمقراطية”، بالمركز الثقافي أحمد بوكماخ بطنجة. وأضاف المتحدث، “لا يمكن لكم أن تطلبوا مني أنا وزير الدولة أن أتفاعل مع الأحداث كأي فاعل حقوقي، موضحا أن “الفاعل الحقوقي والمجتمع المدني يشتغل على ما ينبغي أن يكون، يشتغل على المثالي وعلى ما هو سقف في الحقوق والحريات وما إلى ذلك، بينما الفاعل السياسي يتعامل مع الممكن، لأنه لا يمكنني أن أجلس هناك مع الحكومة وأكون واحدا منها، وحينما آت إلى عندكم أصبح واحدا منكم”. وقال الوزير، الذي كان يتحدث أمام أزيد من 1000 شخص، معظمهم من الشباب، “حينما تتحقق مطالب في الغالب نستهين بذلك ولا نعتبره شيئا ذي قيمة”، مقدما بعض الأمثلة، “قضية إلغاء الاختصاصات الكلاسيكية للمحكمة العسكرية، من اهتم بهذا الموضوع، الاستقلال الذي وصلت اليه السلطة القضائية، الدفع بعدم الدستورية، قانون محاربة العنف ضد النساء”. وتأسف الوزير من أن هناك “أشياء كثيرة تمر في هذه البلاد، تحدث وتتحقق في هذه البلاد ولا يلتفت اليها، لأنه هناك فعلا أشياء سلبية تقع فوق جدول أعمال الفاعلين السياسيين والحقوقيين وتشوش على كل الانجازات الإيجابية”. اعتبر الوزير القيادي بحزب العدالة والتنمية أنه و”لتتطور الديمقراطية وحقوق الإنسان في أي بلد، لا بد أن تكون هناك مؤسسات حامية، وتكون هناك قوانين حاضنة، لكن ذلك لا يكفي مهما كان مهما إن لم تتوفر الإرادة المفعلة”، مؤكدا أن هذه ثلاثة أسس يجب أن نشيد عليها وعلى أساسها تطورنا الديمقراطي والحقوقي”. وفي تقدير مصطفى الرميد، “أننا لن نستطيع في هاته المرحلة، أن نقيس مستوى التطورات الإيجابية العميقة في البلاد، لسبب بسيط هو أننا نعيش هذه المرحلة، وأن المعاصرة حجاب”، مشيرا إلى أنه “سيكون بإمكاننا إن طال بنا الزمان أو على الأقل لبعضنا، أن نقيم التقييم الموضوعي، كافة المعطيات الإيجابية ونقول هل تطورنا أم إن الأمر بخلاف ذلك وإلا فإن الأجيال التي ستأتي بعدنا هي التي سوف تكون لها الصورة واضحة”. وأبرز الوزير “أننا بصدد تأسيس البنيات التحتية للديمقراطية وحقوق الإنسان بالمعايير الدولية، بناء على دستور سنة 2011″، مستدركا “صحيح أننا نسير بشكل بطيء، ثقيل، متردد، هناك حتى ارتباكات، لكنه تطور مستمر”. التعذيب الممنهج لم يعد له وجود في المغرب أكد الوزير المكلف بحقوق الإنسان، أن “التعذيب الممنهج لم يعد له وجود في البلد”، مستدركا أن “التعذيب الذي يمكن أن يكون جزئيا، ويمكن أن يكون هنا أو هناك من طرف هذا الشخص أو ذلك، لا يمكن لأي أحد أن ينكر وجوده”، مؤكدا “أن هناك إرادة واضحة لمحاربته لكنها في كثير من الأحيان تعجز عن ذلك، والعجز نابع من أن هذه الجريمة تتم في كثير من الأحيان بعيدا عن الأنظار، وبعيدا عن الرقابة، وبالتالي يعوز الإثبات مدعي التعذيب”. نؤسس لعدالة جنائية جديدة في هذا الصدد، أشار الوزير إلى الضمانات التي وصفها بالهامة التي أسس لها مشروع القانون الجنائي، وقال “يكفي أن أقول لكم أن هذا المشروع يؤسس لعدالة جنائية جديدة”، مشيرا إلى أن “الدلائل على ذلك كثيرة، أهمها وفي علاقة مع حجم الاعتقال الاحتياطي المتضخم، والذي يضرب في الصميم حقوق الإنسان لدينا العقوبات البديلة” محددا إياها في، “أولها: العمل من أجل المنفعة العامة، ثانيها : أداء غرامة يومية على حساب الحالة المادية للشخص المعني، ثم تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأكيدية”. وقت الأزمات الدولة تبرز أسوأ ما فيها وفي رده بخصوص اختبار السلطة وقت الأزمات، قال الرميد “إذا كنتوا غد تحكموا على بلاد معينة من خلال مستوى تدبير الأزمات، أقول، ماذا ستقولون في الولاياتالمتحدة بعد أحداث 11 شتنبر، ماذا ستقولون على اسبانيا لما تدخلت يوم الاستفتاء على انفصال كتالونيا”، مؤكدا أن أنا الدولة في وقت الأزمات، تبرز أسوأ ما فيها، ومع ذلك يقول الوزير “يجب احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان في الشدة والرخاء في وقت الأزمات وغير الأزمات، والحكم على أي دولة وقت الأزمات سيكون حكم غير موضوعي”. ربيعنا الدستوري لم يفض إلى ربيع ديمقراطي من جهتها، تساءلت حسناء أبو زيد القيادية الاتحادية، هل فعلا ما حدث سنة 2011، كان الأمر يتعلق بربيع؟، مؤكدا أنه كذلك لكنه أعطانا ما يشبه ربيعا دستوريا لم يفضي إلى ربيع ديمقراطي. وتساءلت حسناء، لماذا لم يتحول ربيعنا الدستوري إلى ربيع ديمقراطي وإلى ربيع سياسي، وإلى ربيع حقوقي، لماذا لم يتحول إلى مشتل جديد لبناء المواطنة، من سيجيب عن هذا السؤال في رأيكم، تضيف المتحدثة، “فالنخبة السياسة في المغرب مستقيلة”. وأشارت المتحدثة، إلى أن الضربات الارتدادية بعد ذلك لم تنجزعلى المؤسسات المعنية أثرها الازم، مسترسلة “كيف يمكن أن ننجز تحولا ديمقراطيا مؤسسا على تحول دستوري دون تجديد آلياتنا في التنخيم”، مشيرة إلى “أن انتخابات 2011 لم تختلف عن سابقاتها”. وأبرزت حسناء أبو زيد، التي كانت تنتزع من حين لآخر تصفيقات الحضور أن “الديمقراطية لا تعني من سيتولى الحكم، ولكن بأي شكل سيتولى الحكم، وكيف يمكن له أن يحول فعلا السلطة السياسية إلى تعبير حقيقي عن السيادة الشعبية كمصدر أصلي للسلطة”. المغرب محتاج لدفعة من مناضليه الوطنيين اعتبرت أبو زيد، أن المغرب محتاج لدفعة جديدة من مناضليه الوطنيين المؤمنين بقيم المواطنة في علاقة الحق والواجب من أجل أن يدفعوا به إلى الأمام، مشيرة إلى أنه ليس سهلا اليوم والمغرب يعيش مخاطر استثنائية في ثقافته السياسية حيث يخون المعارض”. وتساءلت ” لماذا نصف من يجسد وطنيته بناء على ما استخلصه من واقع المغاربة بأنه يسيء للمغرب”، مؤكدة على أن “ما يسيء للمغرب هو التطرف في تبخيس كل المكتسبات أو تمجيد الواقع بأعطابه”، مضيفة “هل الاحتجاج في ظل شارع غير آمن يحمل المحتج الذي يخرج بوجهه عاريا وصدره عاريا هل يمكن أن يتحمل تبعات ما يصدر عن انفلاتات الشارع”. باسم المصلحة العليا يتم التعنيف أو التخوين تفاعلا مع نقاش القاعة، اعتبرت أبو زيد أن “فكرة المصالح العليا للبلاد هي لصيقة بالسلطة، فوجدنا أنه في الآداب السلطانية اسمها الضرورة، فتبيح للحاكم بضرورة يعرفها وحدة، أنه يمكن أن يتدخل بعنف ضد الأساتذة المضربين الذين فرض عليهم التعاقد، وأن يرفض أن يتحدث إلى لجنة تنسيق وطنية، ولكن تسمح له بالحديث مع لجنة تنسيق وطنية مع الطلبة الأطباء”. ومضت قائلة “تدبير المصالح العليا للبلاد، تسمح كذلك بأن تجتمع الأغلبية لتصف ساكنة جغرافية بأنها منخرطة في أجندات انفصالية”، مؤكدة أن “الفاعل السياسي هنا دوره، لأننا في حاجة إلى دورة سياسية جديدة تعطينا نخبا قادرة على أن تفكك مفهوم المصلحة العليا للبلاد”. وتساءلت القيادية بحزب الاتحاد الاشتراكي “لماذا لم يؤثر مسار المغرب الحقوقي المهم، على مستوى القانون والتشريعي والمؤسساتي، إلى تحديث ممارستنا السياسية والمؤسساتية، هل بنى لنا أسس ثقة المواطن في الدولة، وهذا كل السؤال”. وزادت المتحدثة، “إذا ما قارنا منظومتنا القانونية والتشريعية والمؤسساتية فهي تستجيب للمعايير الدولية ، فهل تستجيب الممارسة السياسية للمعايير الدولية؟ هل يستجيب واقع تأثير المؤسسات على المواطن للمعايير الدولية ؟”. التراكم الحقوقي ودولة الحق والقانون؟ أما العمراني بوخبزة عميد كلية الحقوق بتطوان، فقد استهل مداخلته بتساؤل، هل هذا التراكم الحقوقي الذي تحقق وأنجز، في إشارة إلى ما تحدث عنه الوزير، “هل فعلا ساهم في إرساء الدولة الديمقراطية ودولة الحق والقانون”. وأكد بوخبزة على أن “النضال الحقوقي كان له دور كبير في المساهمة في الدفع بالمسلسل الديمقراطي في المغرب”. وسجل الأستاذ الجامعي، “أن الحقوقي الشرس، عندما ينتقل إلى الحقل السياسي فإنه يضطر إلى أن يعيد النظر في الكثير من الأمور خطابا ومضمونا، وقد يتحول الحقوقي الذي نعتبره من الصقور قد يصبح في لحظة من اللحظات من الحمائم، خاصة عندما تنتقل الوضعية من النضال الحقوقي إلى وضعية النضال السياسي”. واعتبر المتحدث، أن الربط الذي وقع ما بين العمل الحقوقي والعمل السياسي لم تكن نتيجتة إيجابية، لأن هناك تراجع كبير وكبير جدا، مؤكدا أن “الربط جعل من الصعوبة بمكان إحداث نوع من التوازن”. وأشار إلى أن “الرميد يجد نفسه في لحظة من اللحظات مضطرا لكي يبرر العنف المشروع للدولة، في مواجهة حراك أو مطالب اجتماعية، لذلك سيجد أي مناضل حقوقي نفسه في لحظة من اللحظات في مركز القرار”. على الحقوقي أن يترك السياسة ودعا بوخبزة النخبة الحقوقية إلى الاستقلال بفضائها، وترك العمل السياسي، لأن العمل السياسي فيه الكثير من الإكراهات من دخله مطالب بأن ينصاع إلى ضغوطات وإكراهات العمل السياسي، ولو كان من الصقور يصبح بحكم ذلك الضغط من الحمائم”. المداخلة الأخيرة في هاته الندوة التي نظمت تحت موضوع “المسار الحقوقي بالمغرب و الرهان الديمقراطي”، فقد كانت لهشام بوحوص منسق ماستر العلوم الجنائية بطنجة، الذي اعتبر أن القانون الجنائي لكل بلد هو المرآت العاكسة للنظام السياسي لذلك البلد. وأكد الأستاذ الجامعي، على أن ما أشار إليه يرتب نتيجة منطقية وهي أنه كلما حدث تغيير في النظام السياسي أو الدستوري إلا وانعكس إما سلبا أو إيجابا، أو صاحبه تغيير عميق في توجهات السياسة الجنائية إما باحترام الحقوق والحريات الفردية أو العكس. وحسب الأستاذ الباحث فإن السياسة الجنائية المغربية مرت بمراحل وفترات متباينة ومختلفة بين الزجر والقمع والتضييق على الحقوق والحريات في فترة تاريخية معينة، وما بين الانفتاح والتوجه نحو الأنسنة واحترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا . الأزمات هي الاختبار الحقيقي لكل سياسة جنائية في هذا السياق، أكد بوحوص على أن الاختبار الحقيقي لكل سياسة جنائية، هي فترة الأزمات التي تمر منها كل المجتمعات والشعوب، مثل حالة الاضطراب، حالة الاحتجاجات التظاهرات السلمية والى ما ذلك، وأيضا بالنسبة لبعض الاعتداءات التي قد تمس أمن الدولة، مؤكدا، هذا هو المحك الحقيقي لكل السياسة الجنائية في أية بلد . واعتبر الباحث، أن “السياسة الجنائية العاقلة هي التي يجب أن تصمد أمام كل هاته المحطات وكل هاته الهزات العابرة، وأن لا تتراجع عن المكتسبات الحقوقية، بفعل هاته التوترات أو بمجرد وجود مؤشرات للخطر على أمن الدولة”، مشيرا إلى “أبرز التوصيات التي خرجت بها هيئة الانصاف والمصالحة، وهي توصية مهمة جدا جاء فيها بالحرف، “يجب تعزيز احترام حقوق الانسان وتحسين الحكامة الأمنية، وخصوصا في حالة الأزمات”. وأكد الجامعي، على أن “تاريخ السياسة الجنائية المغربية يشهد على أن أهم التراجعات وأهم محطات التراجع عن المكتسبات الحقوقية والتضييق على الحقوق والحريات، هي لحظة الأزمات والاضطرابات التي شهدها المجتمع المغربي . يشار إلى أن الندوة عرفت في فقراتها الأخيرة محاولات احتجاجية لبعض الأساتذة المتعاقدين، فيما غادر الوزير مصطفى الرميد قبل استكمال عملية تكريم الأساتذة المحاضرين لكي لا يتأخر على موعد القطار، وذلك وفق مصدر مقرب من الوزير.