وصفت الوزيرة الكندية المكلفة بقضية المرأة، إيزابيل تشاريست الحجاب بأنه "رمز لاضطهاد المرأة، وأنها "لا تؤمن بأنه يتعين على السيدات ارتداء الحجاب"، وهذا التصريح العنصري، يعكس إلى حدّ كبير، النظرة الدونية التي يحملها بعض المسؤولين الغربيين عن "الحجاب الإسلامي"، لأنه لم نسمع مرة عن تصريحات معادية، تستهدف نساء من الديانات الأخرى المسيحية واليهودية، على الرغم من أنهن أيضا يرتدين نوعا من "الحجاب" خاص بالمتدينات. ليس مستغربا ما عبّرت عنه الوزيرة الكندية بشأن الحجاب، لأن كثير من المسؤولين في الدول الغربية، لديهم نفس الموقف، وهناك اتجاه داخل هذه الدول إلى حظر ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، ضدا على قوانين الحريات التي تكفل للجميع الحق في اختيار نوع اللباس الذي يرغبون فيه، ومن المعلوم أن عددا من الدول الأوربية فرضت منعا على المسلمات المحجبات والمنقبات، ولوج المؤسسات العامة مثل المدارس والجامعات والإدارات، ورتّبت على مخالفتها عقوبات مالية، وهذا ما يضع هذه الدول، أمام تناقض صارخ مع القيم التي تنادي بها وتدافع عنها، وأهمها حرية المعتقد وحرية الاختيار وحرية التعبير وحرية التنقل، وهذا ما يدفعنا للتساؤل: هل حجاب المرأة المسلمة يشكل تهديدا للأمن أو السلم الاجتماعي؟ عندما نبحث في خلفيات المنع والتضييق الذي تتعرض له المسلمات المحجبات في الغرب، نجدها ذات طابع سياسي وديني، والدليل على ذلك، هو أن المنع لا يتعلق بالمحجبات المتدينات، وإنما تحوّلت تغطية المرأة العربية والمسلمة لشعرها (ولو كان بدون خلفية دينية) يرمز في نظر كثير من الغربيين إلى الديانة الإسلامية، ما يثير قلق وتوجس في الدول الغربية، من انتشار هذا النوع من اللباس الذي يُحيل على الثقافة الإسلامية، رغم أن هذه الدول تعتبر نفسها ذات أنظمة علمانية، لكنها في الحقيقة تدين بالمسيحية واليهودية، وتخشى من أن يصبح الإسلام الديانة الأولى في مجتمعاتها، خاصة مع ما تشهده في السنوات الأخيرة من إقبال مواطنيها على اعتناقه. إن الحجاب كما جاء في الدين الإسلامي، أكبر من أن يُختزل في تغطية رأس المرأة، فهو يحمل معاني العفة والستر والحشمة، وهذه القيم لا تتحقق بدون التزام المرأة بلباس معين، يراعي الضوابط الشرعية، التي اتفق عليها جمهور العلماء المسلمون، وأهم هذه الضوابط أن يكون ساترا لجسد المرأة، عدا الوجه والكفين(لا يَصِف ولا يَشِف)، معتمدين على أدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية، ولكن الملاحظ أن "الحجاب" في السنوات الأخيرة، أصبح عند كثير من النساء في المجتمعات العربية والإسلامية، لا يراعي أي ضوابط دينية، وإنما يتماشى مع آخر صيحات الموضة العصرية والتسويق التجاري، وتحوّل مفهوم "الحجاب" عند البعض إلى قطعة قماش توضع فوق رأس المرأة، وهذا ما يفسر ارتفاع نسبة الإقبال عليه، حتى في المجتمعات الغربية، لأن هذا النوع من "الحجاب" يتيح للنساء الخروج في كامل زينتهن، ولا يختلفن عن الأخريات إلا في تغطية الشعر. هذا لا ينفي أن هناك كثير من المسلمات اللواتي يلتزمن بشروط الحجاب الشرعي، وهؤلاء النساء يرتدين الحجاب عن قناعة شخصية، وحرية اختيار هذا النوع من اللباس، وتعبير عن إيمان بفرضيته الدينية وبأهميته الاجتماعية في حفظ جسد المرأة عن الابتذال، حتى لا يتحوّلن إلى وسيلة للإغراء والإثارة والتجارة كما هو حال كثير من النساء في مجتمعاتنا المعاصرة. وإذا كانت بعض المسلمات اتخذن قرار التزام الحجاب الشرعي، عن قناعة واختيار، فهذا القرار هو تعبير عن حرية شخصية، فإنه قد يحدث أن تتخلى بعضهن عن الحجاب، لأسباب نفسية أو فكرية أو اجتماعية، كما وقع لعدد من النجمات المصريات، اللواتي خلعن الحجاب وعُدن إلى الوسط الفني، وهذا التّحول يمكن أن يكون بسبب ظروف نفسية أو اجتماعية صعبة تعرضن لها، أو بسبب تغيّر في القناعة بفرضية الحجاب أو بماهيته، حيث عللت بعضهن تخليها عنه، بأن تديّن المرأة المسلمة، لا يعني فقط حجاب الشعر، وإنما التزام الحشمة والعفة، وتجنب الإثارة والابتذال في اللباس. خلاصة القول، إذا كانت فلسفة حرية المرأة في الفكر الغربي، تقوم على منحها الحق في التعبير عن اختياراتها وقناعاتها، في الفكر والرأي والسياسة والحياة الخاصة، بما في ذلك حريتها الشخصية في اختيار نوع اللباس، بناء على فكرة أن جسد المرأة ملك لها، لكن عندما يتعلق الأمر بالمرأة المسلمة الملتزمة بالحجاب، فإن هذه الحرية يتم انتهاكها باسم العلمانية.. وفي المقابل، تقوم حرية المرأة في الفكر العربي الإسلامي، على فلسفة مختلفة تماما، حيث تعتبر هذه الحرية جزء لا يتجزأ من حريات المجتمع، وبالتالي فهي لا يمكن أن تتصادم معها، ولذلك فإن الغاية من تشريع الحجاب، ليس هو اضطهاد للمرأة أو تقييد لحريتها، بل العكس، غايته تمكينها من ممارسة دورها في المجتمع، بدون أن تتعرض إلى ما يخدش حياءها ويمس كرامتها، أقلها التحرش الجنسي.