مضايقات وتحرشات من رجال لا يحترمون خصوصية الجنس الآخر ، ونظرات خبيثة ترسل إشارات خطيرة ، ومجتمعات عربية محافظة تقدس العادات والتقاليد وعزل المرأة ، كل ذلك أدى إلى فصل الجنسين وظهور ما يسمى بأماكن للنساء فقط . المغرب ، السعودية ومصر بلاد طالها فصل الجنسين ، ولكن هناك نساء تؤيد الفصل وأخريات ترفضه ، فقد أجرت مجلة "سيدتي» استطلاعًا على 100 من السيدات السعوديات للتعرف على آرائهنّ في موضوع تخصيص الأماكن النسائية وتأنيث المحلات التجارية، فعارض تخصيص الأماكن 80% من النساء ، بينما أجمع 100% على ضرورة تأنيث محلات المستلزمات النسائية. آراء السعوديات لا يمكن للأم التي لديها طفل في ال 11 من عمره اصطحابه معها إلى مدينة الملاهي! لهذا بدت الخصوصية راحة للبعض، وقيدًا اجتماعيًا للبعض الآخر، فسيدة الأعمال، عفاف السلمان، ممن يعتبرن الأمر قيدًا، وهي لا ترى أن كل ما تحتاجه النساء وجود بائعات في محلات الملابس الداخلية، والعطور، والتجميل. وتشاركها الرأي خلود القنيعير مصممة أزياء، فهي تؤيد تخصيص محلات نسائية داخل المراكز التجارية العامة، وكذلك الأماكن الترفيهية المختلطة، أما أن تكون للمرأة أماكنها المعزولة، فهذا يحرمها من حق مشاركة الأسرة الترفيه، والتسوق. وعلى النقيض تعتبر مريم المطيري موظفة، تخصيص أماكن للمرأة ظاهرة صحية تمكّنها من التصرف على طبيعتها، خاصة عندما تكون مع صديقاتها، وتستطرد: "كنت أشتري ملابس خاصة بي، ووجدت أحد البائعين يأكلني بنظراته، ثم قال لي بخبث: "هذه القطعة تناسب مقاسكِ بالضبط!". أما المهندسة سناء بخاري، فتستند إلى أن العديد من المراكز التي خصصت للنساء فقط أغلقت، بسبب قلة النساء المرتادات إليها، وهي تفضّل ترسيخ ثقافة احترام الآخر في أذهان الجميع بدلاً من سياسة الفصل. وفي مصر ظهرت الأماكن المخصصة للنساء من مقاهي للترفيه تقبل عليها النساء والفتيات، وجزء من ترفيه المقاهي تخصيص رحلات للنساء فقط في قرى سياحية بعيدة عن أعين الرجال المفترسة ، كما ظهرت شواطيء للنساء فقط تتيح للفتيات ارتداء المايوهات بحرية ، بالإضافة إلى عربتان مخصصتان للنساء في مترو الأنفاق .
ولكن الصحفي ماجد إبراهيم وجد أن عربتا مترو الأنفاق لا يؤديا الغرض وينبغي تخصيص مواصلات أكثر للنساء فقط ، فأنشأ جروب على موقع الفيس بوك ، يطالب بتخصيص مواصلات للنساء فقط منعاً للمضايقات والتحرشات ، تحت اسم " مواصلات للبنات وبس" . ويشرح ماجد ل"لهن" فكرة الجروب ، قائلاً : أرى بعيني يومياً كم السخافات التي يرتكبها العديد من الشباب المستهتر وبمنتهى الاستهتار في حق البنات كجنس أوصى الرسول برعايته والاهتمام به ، وأنا كشخص مسلم تربيت على مبادئ وأخلاق تعي معنى أن قوامة الرجال على النساء يؤذيني جدا استهتار الشباب ودوما اخجل أن أجد شاب جالس أمام فتاة تقف وأخجل أن أركب قبل فتاة تسابقني على الركوب، وكذلك أنا لا احترم أي شاب يركب عن قصد عربات السيدات بمترو الإنفاق بدعوى أن هناك رجال يركبونها، أو بدعوى أن الساعة تجاوزت التاسعة مساء، فعربة واحد فقط هي المسموح بها بهذا والتي تم تميزها بالتيكت الأخضر.. بينما الثانية المميزة بالتيكت الأحمر فهي للسيدات طوال فترة عمل المترو. ويتابع : جاء هذا الجروب جاء لينوه إلي أن الفتاة والمرأة بشكل عام هي أمي وأمك، أختي وأختك زوجتي، وزوجتك ابنتي وبنتك، جارتي وجاراتك ، وكلنا جميعا لا نرضى لهم بأي امتهان لهم في وسائل المواصلات العامة، وبالتالي رفقا بالقوارير كما قال الرسول (صلى الله عليهم وسلم) . لذا يطالب الصحفي الشاب الحكومة المصرية من خلال جروبه بإعداد خطة لعمل وسائل مواصلات خاصة بالبنات والسيدات فقط لا يقودها رجال بل سيدات ولا يركبها سواهن، وهذا بدءا بالميكروباصات ثم الأتوبيسات كما حدث من سنوات ثم التاكسيات وحتى لو وصل الأمر لل "توك توك ". رجال ضعاف النفوس
تعليقاً على تخصيص الأماكن للنساء فقط ، يرى الدكتور محمد يحيى الرخاوي مدرس علم النفس بكلية الآداب جامعة القاهرة أن ظاهرة تخصيص أماكن للنساء فقط يرجع إلى عاملين ، الأول أن القيم والأعراف المع اشة في الشارع أصبحت أضعف من أن تضبط سلوكيات ضعاف النفوس من الرجال، العامل الثاني هو ازدياد توجه بعض فئات المجتمع نحو المحافظة رد فعل على ازدياد مظاهر الانحلال والتحرش ، بالإضافة إلى توافر الموارد التي تسمح بتخصيص أماكن ترفيهية لفئات معينة غالباً ما يكون مستواها المادي أعلى من المتوسط . تمييز للصالح الذكوري ثمة شواهد كثيرة على هذه الظاهرة في مجتمعات كثيرة متباينة لا يمكن تفسيرها بسبب واحد وإنما بأسباب اجتماعية وثقافية متعددة ، هذه وجهة نظر الدكتور سعيد المصري أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة . ويوضح قائلاً : تخصيص تلك الأماكن للنساء فقط يعبر عن سببين رئيسيين، إما التمييز بين الجنسين لصالح التفوق الذكوري ففي السبب الأول تبرز الثقافة الأبوية التي تعزز الفصل بين الجنسين في المجالات العامة وحجب النساء عن الأنظار لصالح تفوق الرجال وهيمنة حضورهم في المجال العام ، كما هو الحال في البلدان العربية والإسلامية، وهي ظاهرة شائعة في مصر أيضاً، وبدت واضحة في الشواطئ والمواصلات العامة كمترو النفاق وحمامات السباحة في الأندية الرياضية والاجتماعية ويزداد انتشارها باستمرار في أماكن الحصول على الخدمات وأماكن تلقي الخدمات الصحية والمصرفية وغيرها، رغم عدم وجود نصوص قانونية واضحة تنص على فصل النساء عن الرجال في هذه المجالات، فإننا نشاهد - بفضل العادات والتقاليد ودعاوى تحريم الاختلاط – ميلاً تلقائياً لدى كثير من الناس إلى الفصل بين الجنسين ملحوظ في المحاضات و"طوابير" الحصول على الخدمات وغيرها أما السبب الثاني لوجود دعوات لتخصيص أماكن لدى الشعوي أخرى، فقد يعود إلى اعتبارات خاصة بظروف معينة سائدة في تلك البلدان، وإن كانت هناك بعض الدعوات المتطرفة من داخل حركات تحرير المرأة تدعو إلى الدفاع عن النساء في مواجهة التفوق الذكوري إلى حد تخصيص أماكن وخدمات مقصورة على حد قول الدكتور المصري – قد لا تؤدي إلى تحرير المرأة ، حسب زعم القائمين على هذه الحركات النسائية بقدر ما تؤدي إلى المزيد من مشاركة المرأة وأهمية وجودها في الحياة العامة جنباً إلى جنب مع الرجل . ومن ثم فإن إصرار رجال الدين والقائمين على التقاليد في المجتمع الشرقي على الفصل بين الجنسين من شأنه أن يكرس الأبوية تحت مبررات حماية الإناث من تحرش الرجال بينما يؤدي الفصل في حقيقة الأمر إلى حساسية دائمة بين الجنسين، وبالتالي يأتي التحرش نتاجاً طبيعياً لمجتمعات غير معتادة على الاختلاط مثل المجتمعات العربية . ويتابع : لعلنا نلاحظ أن الأطفال والشباب ممن تعلموا في مدارس مختلطة لا يكونوا ذوي حساسية مفرطة نحو الجنس الآخر، أما الأطفال والمراهقون والشباب الذين لم يعتادوا على الاختلاط فيلاحظ حساسيتهم المفرطة نحو الجنس الآخر . ولهذا فالفصل يزيد الفجوة بين الجنسين باستمرار ويختزل نظرة كلا الجنسين نحو الآخر إلى مجرد الإثارة . ويرجع الدكتور سعيد المصري تفضيل النساء للابتعاد عن الرجال إلى كون المرأة من أشد وأقوى المدافعين عن التقاليد ، فالمرأة في المجتمع الشرقي تكرس القيم التقليدية وتدافع عنها. ومن غير المتوقع حين نسأل كثيرا من النساء عن آرائهن في الاختلاط أن نحصل على إجابة تنفي قبول هذا التقليد خشية أن تفهم أنها ضد الفضيلة والحشمة . هل توافق على تخصيص أماكن ومواصلات للنساء فقط ؟ شاركونا