(بقلم علي الحسني) الرشيدية / 17 أبريل 2015/ومع/ يتقن الكلام المقفى، ولديه من الجرأة ما يجعله يقتحم أي موضوع مسلحا بشعريته وتجربته في الحياة التي اكتسبها من غربته، إنه "مجذوب تافيلالت" عبد العزيز بنعيسى، الميكانيكي الذي يحكي عن همومه وهموم الناس البسطاء . لم تحل قسوة ظروف الحياة وضنكها دون مواصلة بنعيسى، ابن مدينة مكناس صاحب الأضمومات الزجلية "صروف الميزان" و"طيور الليل" و"المجذوب" كما يحكي لوكالة المغرب العربي للأنباء، تعلم حرفة يواجه بها صروف الدهر ، بعد أن غادر أسوار المدرسة في طور الابتدائي لظروف خاصة ليلج عالم الشغل وهو طفل . "كنت اقضي أيام عطلتي المدرسية في ورشة لإصلاح السيارات في الحي الذي كنت أسكن به"، يقول بنعيسى بعفوية وتلقائية، "اكتسبت خلالها بعض أوليات العمل لأنتقل بعدها بسنوات إلى ضواحي باريس بفرنسا، التي قضيت بها قرابة عقد من الزمن ، توزعت بين التكوين في مجال ميكانيك السيارات والاشتغال متنقلا من محل إلى آخر". وفي بداية ثمانينيات القرن الماضي، غادر بنعيسى ديار المهجر حيث ظروف العمل الصعبة والقاسية علمته الشيء الكثير ليعود بعدها إلى وطنه الأم ويفتح ورشة خاصة به بمدينة الرشيدية. الزجل بالنسبة لبنعيسى، العصامي الذي تعرفه الأوساط الثقافية المحلية ب"مجذوب تافيلالت"، لا يتطلب ثقافة واسعة ولا شهادة عليا بل دقة الملاحظة والبديهة وصدق الكلام في المبنى والمعنى إضافة إلى القافية وحسن اختيار الموضوع. اتقاد حسه ورهافة إحساسه، وولعه بفن الزجل على اختلاف مواضيعه، كان باديا منذ طفولته المبكرة، إذ "كنت أهوى الكلام المرصع بالمعاني الذي كانت والدتي تخاطبني به" كما يقول بنعيسى . على أنغام الموسيقى التركية الصامتة والحزينة وفي ظلمات الليل، يعتكف بنعيسى، المولع بالعزف على آلة العود، مثل الناسك الزاهد في محرابه ليخط خواطره الشعرية، ويرجع الفضل في ذلك إلى رفيقة دربه التي توفر له ظروف الإبداع، حسب الشاعر. الزجل عند بنعيسى "مرآة تعكس ذاتي وصورة مجتمعي من الناحية الاخلاقية والسلوكية" ومن خلاله تتولد الطاقات الابداعية لفضح الفوارق والتناقضات الاجتماعية والبوح بما يجيش به صدري الذي يعتصر ألما وحسرة على ماض مشرق ولى". انتقاده للقيم الاجتماعية والمظاهر السلبية التي لا تتناسب والسلوك المجتمعي الأصيل جعلت الشاعر بنعيسى ينحت قصائده من تلاوين عمق الحرف والكلمات المنفلتة من تجارب المعيش واليومي.