كعادتها، منذ تسع سنوات، أبت زاكورة، أخيرا، إلا أن تخرج من هامشها الجغرافي، لتتحول، على مدى أربعة أيام، إلى مركز ثقافي، استقطب صناع الفرجة السينمائية وعشاقها، مغاربة وأجانب، والمناسبة هي إطفاء هذه المدينة القصية، القابعة على تخوم الحلم، الجميلة بسكانها وفضاءاتها الصحراوية الفاتنة، الشمعة التاسعة لفعاليات ملتقاها الدولي للفيلم عبر الصحراء. تميزت دورة هذه السنة ببرنامج غني متنوع، استطاع أن ينتشل سكان المنطقة وضيوفها من روتين اليومي، ويقدم لهم فرجة أضحت، منذ ثمانية أعوام، موعدا سنويا لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه، وخلق أجواء فرحة وسعادة، ولو لمدة أربعة أيام، إذ شهدت دار الثقافة توافدا مكثفا لجمهور المدينة. وهو توافد يكشف عن مدى تعطش أبناء هذه المدينة للثقافة والفن الجادين. تميز حفل الافتتاح بتكريم خاص للفنان الكبير محمد حسن الجندي، يليق بمقامه كفنان شامل متكامل، إذ سلم درع الملتقى، وقدمت في حقه شهادات نوهت به وبدوره كواحد من كبار الفنانين الذين استطاعوا أن يبصموا الفن المغربي والعربي، لذلك، لم يتردد الفنان المسرحي عبد الكريم برشيد في اعتباره "قمة أطلسية بحجم الوجود" و"ملحمة مغربية بنفس شعري" سيما أنه، حسب المصدر نفسه، "فنان ظل دوما قريبا من ثقافة الناس وهمومهم اليومية...". كما عرف الحفل نفسه تكريم الفنان البوركينابي سان بيير بامينكو الذي اعتبره مدير المهرجان أحمد شهيد "جوهرة إفريقية نادرة" "صور حياتنا كما هي". أما حفل الاختتام، فتميز بالإعلان عن نتائج مباراة السيناريو التي شكلت إحدى أهم فقرات البرنامج، إذ أعلنت عنها لجنة دولية، ضمت أعضاء من المغرب والجزائر وفرنسا وسوريا ومصر، وأسفرت عن فوز السيناريست الحسين شاني بالجائزة الكبرى، بعمله الذي حمل عنوان "الأصفر والأزرق"، فيما منحت لجنة التحكيم التي ترأسها الناقد مصطفى المسناوي الجائزة الثانية للشاب صهيب مروان عن نص "رائحة البحر" والثالثة لداود محمد فرج عن نص "أنجل" وفاز مولاي الطيب العلوي بجائزة خاصة أضافتها لجنة التحكيم عن عمله "مائة قفل وقفل". كما تمير حفل الاختتام بالاحتفاء بالممثل محمد بن ابراهيم والسيناريست علي الأصمعي٬ اعترافا بعطاءات اسمين قدما للسينما المغربية الشيء الكثير. وشهدت الدورة تنظيم ندوة حول "السينما والهجرة عبر الصحراء"، وقف من خلالها باحثون ومهتمون بشؤون الهجرة على جملة من القضايا والصعوبات التي تعترض المهاجرين في حرية تنقلهم، وخاصة المهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء، كما ناقش المتدخلون مداخل إدماج المهاجرين بالمغرب، والضمانات التي تنص عليها الوثيقة الدستورية لحمايتهم وإدماجهم، ومداخل ضمان ولوج المهاجرين للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، كما تطرق المحور الثاني من الندوة لموضوع "السينمائيون والهجرة عبر الصحراء"، من خلال رؤية السينمائيين المغاربة والأجانب للهجرة عبر الصحراء. حضر الدورة نخبة من الفنانين والنقاد والمبدعين من بينهم الضيف المكرم الفنان الكبير محمد حسن الجندي وعبد القادر مطاع وعبد الكريم برشيد وحسن بحراوي ومحمد بن ابراهيم وثريا العلوي ونوفل براوي إضافة الى أسماء من الجيل الجديد كالممثل الكبير هشام الوالي وهشام بهلول وعمر لطفي وعبد الواحد مجاهد وعلي الأصمعي وربيع القاطي وأمين الناجي... أما ضيوف الدورة من خارج المغرب فهم على التوالي: الممثل والمخرج الفرنسي لوران بوحنيك، والممثل الجزائري حسن قشاش والمخرج المصري عز الدين سعيد إضافة الى النجمة السورية الكبيرة لينا مراد. وتضمن برنامج الدورة أيضا ورشات تكوينية في قراءة الأفلام والتحليل الفيلمي وتكنولوجيات السمعي البصري الجديدة والمهن السينمائية وإدارة الممثلين، والأبعاد الثلاثة، استفاد منها أزيد من مائة طالب وتلميذ، نشطها مختصون في مجال الفن السابع... وانتهت بإنجاز شريط وثائقي جميل تحت عنوان "دق السيف وأقلال". كما عرف المهرجان الذي نظم من 08 إلى 11 نونبر الحالي، والذي ضاقت بجمهوره جنبات قاعة العروض بدار الثقافة، (عرف) إفساح المجال واسعا أمام السينما المهتمة بالهجرة عبر الصحراء، حيث أتاح الفرصة لأزيد من 40 فنانة وفنانا من فرنسا والجزائر وتونس وفلسطين وبوركينافاسو وروسيا والصين وألمانيا إضافة إلى أفلام من المغرب تسلط جميعها الأضواء على هذا الموضوع من زوايا مختلفة. كما نشطت بعض فقرات الملتقى فرق فنية شعبية مغربية وإفريقية جنوب الصحراء وتمثلت مفاجأة الدورة في إعلان مدير المهرجان عن نيته "الهجرة إلى عوالم أخرى، منها عالم مسابقة الفيلم التي سيشرع في العمل بها ابتداء من الدورة القادمة (العاشرة). وقال مديره أحمد شهيد "إن دورة هذه السنة، سعت إلى مد الجسور الضرورية من أجل الرقي بهذه التظاهرة كي تصبح مهرجانا دوليا فعليا بما يقتضيه الأمر من انتقاء ومسابقة رسمية ولجنة تحكيم وجوائز للأفلام، ما سينعكس على نوعية البرمجة التي تظل في اعتبارنا أساس نجاح كل مهرجان"، وأوضح شهيد "أنه، منذ الدورة الأولى إلى الدورة الحالية، تطور المفهوم المحوري للملتقى "الفيلم عبر الصحراء" بتجاوز الإطار المرجعي المرتبط بالموضوعة والجغرافيا، ليشمل مجموع الأفلام التي ترتبط بتخيل الصحراويين، والتي يعتبر أصحابها أنها تمسهم وتجعلهم يحلمون وبأنها تهمهم ومن شأنها أن تترسخ في ذاكرتهم البصرية. علي بنساعود (موفد الصباح إلى زاكورة)