دراسة تكشف أن الجنس والتدخين وارتفاع البلد عن سطح البحر عوامل مؤثرة في رغبة الناس في الانتحار. باريس ثمة مواسم للانتحار أيضاً. هذا ما تظهره دراسة نشرتها الجمعة مجلة "ذي لانست" العلمية البريطانية. وعلى ما يبدو، يرتفع معدل الانتحار في فصل الربيع وفي خضم الانكماش الاقتصادي. اضف الى ذلك عوامل خطر من نوع مختلف ترتبط بجنس المرء، ذلك ان الرجال هم اكثر عرضة للانتحار مقارنة مع النساء، اضافة الى ارتباط هذا الفعل بكون المرء مدخناً او طبيباً.
واستناداً الى الدراسة التي انجزها كيث هاوتون من جامعة اوكسفورد وكيس فان هيرينغين من جامعة جينت في بلجيكا، يقدم نحو مليون شخص على الانتحار سنوياً، بمعدل شخص كل اربعين ثانية، اي ما يساوي 1.5% من الوفيات العالمية.
غير ان النسبة تختلف على نحو جذري بين بلد وآخر، فضلاً عن تأثرها بالارتفاع الجغرافي عن سطح الماء.
فاذا كان معدل الانتحار مرتفعاً على نحو لافت في فنلندا ولاتفيا والمجر والصين واليابان وكازاخستان، ذلك انه يبلغ عشرين شخصاً من كل مئة ألف على الاقل، فانه يصل الى ما يرنو من اربعين شخصاً في ليتوانيا.
وتضيف الدراسة ان مسألة الانتحار مصدر قلق في دول الاتحاد السوفياتي السابق، في حين تنفرد الصين بما يزيد على 30% من حالات الانتحار في العالم، وهو معطى يتخطى نسبة الثقل الديموغرافي للصين على الصعيد العالمي، علماً ان عمليات الانتحار في الصين تشكل 3.6% من اجمالي الوفيات على الصعيد المحلي.
اما الولاياتالمتحدة وكندا واستراليا فتسجل معدلات ما دون النسبة العالمية، اي 15 انتحاراً من كل مئة الف شخص، في حين لا يبلغ عدد المنتحرين في اليونان والمكسيك والبرازيل وايران ومصر الخمسة من كل مئة ألف.
وتنبه الباحثون الى ارتفاع نسب الانتحار في بلدان أوروبا الشمالية المحرومة من نعمة الشمس، خصوصاً في فصل الربيع، وان لم يستطيعوا تحديد أسباب ذلك على نحو جلي.
علماً ان احدى هذه النظريات تلصق ذرائع بيولوجية بالانتحار، فتجد انه يتأتى على اثر تغير الموسم بعد فترة مديدة من الظلمة الشديدة، يؤدي الى لاتوازن كيميائي عصبي لا يزال مجهول التفاصيل.
وثمة نظرية اجتماعية ايضاً تقول بامكان ان تصير سعادة الآخرين الظاهرية، خلال هذه الفترة من العام، امراً يعجز بعضهم عن تقبله.
وفي الدول الغنية، ثمة امرأة تقدم على الانتحار في موازاة رجلين الى اربعة رجال. اما في الدول النامية، فتصير النسبة اكثر تقارباً بين الجنسين.
غير ان الصين تشكل استثناء في ذاتها، نظراً الى نسبة عالية من النساء اللواتي يقدمن على الانتحار.
ويتفشى الانتحار على نحو كبير بين العاطلين عن العمل وهذا امر متوقع، على الرغم من احتمال وجود صلة ثانوية بين البطالة والمرض العقلي الذي من شأنه ان يشكل حاجزاً امام ايجاد عمل والاحتفاظ به.
وقال هاوتون للصحافيين عبر البريد الالكتروني "سبق ان تم الربط بين حالات الانكماش السابقة وبين الارتفاع في حالات الانتحار خصوصاً لدى الشبان".
وثمة تمييز اثني ايضاً في مجال الانتحار. ذلك ان نسب الانتحار لدى الاوروبيين والاميركيين تفوق نسب الانتحار لدى الاميركيين من اصل اميركي لاتيني او الاميركيين السود، في حين يؤول هذا الفرق الى الانحسار بنتيجة ارتفاع نسب الوفاة في فئة الشبان السود.
على ان النسب الاعلى نجدها بين سكان استراليا والولاياتالمتحدة الاصليين، وربما يكمن السبب في التهميش الثقافي والاجتماعي الذي يتعرضون له ناهيك عن ادمان الكحول، بحسب اصحاب الدراسة.
واستنادا الى هاوتون، فان السير المهنية على اهمية ايضاً في هذا النطاق.ويلحظ ارتفاعاً في احتمالات الانتحار ضمن المجموعات المهنية التي يسهل عليها الوصول الى وسائل تسهل الانتحار كمثل الاطباء والمزارعين والصيادلة واطباء الاسنان والاطباء البيطريين فضلاً عن الشرطة في بلدان حيث يتم استخدام السلاح على نحو منتظم.
علماً ان النساء هم الاكثر عرضة للانتحار في صفوف العاملين في القطاع الطبي. ويظهر التباين بين الجنسين ايضا في الوسائل المستخدمة لغرض الانتحار. ويميل الرجال الى الاسلحة والشنق في حين تنتقي النساء انماطاً اقل عنفاً، خصوصاً السم. وفي آسيا الجنوبية درجت النساء على اضرام النار في اجسادهن.
وبحسب الدراسة، تلعب الصحة العقلية دوراً محورياً في فعل الانتحار. ذلك ان نحو تسعين في المئة من المنتحرين يعانون احد انواع الخلل النفساني.
ويزيد اليأس احتمال الانتحار 15 الى عشرين مرة، ذلك ان اربعة في المئة من المرضى المصابين باليأس يموتون انتحاراً.
ويضاف الى ذلك عوامل اخرى تحفز الانتحار من بينها التحرش الجنسي المستمر خلال الطفولة، والكوارث الطبيعية ورحيل المشاهير.
ومن الملاحظ في هذا الصدد، ان نسبة الانتحار ارتفعت 17% في اعقاب وفاة اميرة ويلز ديانا في العام 1997، في حادث سير في باريس.
وفي حين تساهم الحروب والاعتداءات الارهابية الكبرى في خفض نسب الانتحار، ويرجح ان يكون ذلك بنتيجة التلاحم الاجتماعي الذي تفرزه لحظات مماثلة.