في خضم تتبعنا لمظاهر الثقافة الشعبية ، ومن خلال رصدنا للطقوس الاحتفالية التي عاشتها منطقة افركلى خلال المولد النبوي الشريف ، نلقي الضوء على موسم الولي الصالح سيدي يحيى إبراهيم ، وقبل هذا وذاك، لابد من الإشارة إلى أننا لا نسعى إلى معالجة الموضوع من الناحية الدينية، بقدر ما نود المضي في النبش على مستوى الذاكرة الشعبية ومختلف مناحي السلوك الإنساني بما هو نتاج لثقافة شكلت الوعاء الذي في إطاره ترعرع وتربى الإنسان الفركلوي ،وفي هذا الصدد لابد من طرح مجموعة من الأسئلة التي سنحاول الإجابة عنها ، مستدلين بالرواية الشفوية وبعض مصادر التاريخ المتوفرة لدينا ، آملين أن يكون النبش في ذاكرة هذا الموروث الشعبي مفيدا وذا قيمة علمية .... ينحدر الولي الصالح سيدي يحيى المدفون بمقبرة "قماش ايت عاصم" مع أخيه السيد حمزة ، من مراكش ، وهو الابن الأكبر للولي المعروف مولاي إبراهيم المشهور بنواحي اوريكة ، وقد نزح مع إخوته إلى افر كلى إبان الفترة المرابطية، وبالضبط قبل تولية يوسف ابن تشافين بعقد من الزمن ، وكان له دور إقامة الصلح ودرء النزاعات بين القبائل في هذه المنطقة. وكان قائدا ميدانيا ضليعا بالفقه والوعظ والإرشاد ، مما أهله ليتبوأ مكانة دينية واجتماعية جعلته مرجعا أساسيا لدى الكثير من القبائل فاهتدت بمشورته وعملت بفكرته الداعية إلى نبذ الخلافات والتفرقة. ولما كانت عادة الفركليين في إحداث مقابر جديدة تستلزم انتظار وفاة احد الصالحين للبدء في الدفن ، تم إحداث المقبرة الجديدة بعد وفاة الولي الصالح سيدي يحيى إبراهيم تيمنا به وبسلوكه ومناسكه وورعه ، فكان لزاما على قبيلة ايت عاصم بناء روضة حول قبره لتكريم هذا الولي الداعية ، كما تم دفن أخيه بجانبه خارج الروضة، إذ من العادة أن تدفن امرأتان وصبية بجانبه. وتفيد مصادر متعددة تحدثنا إليها ، وأجمعت أن الناس في منازعاتهم داخل قبيلة ايت عاصم كانوا يؤدون اليمين و"يحلفون" بهذا الولي !!وكان الشخص لا يقتنع بحكم القاضي مهما كان حتى يؤدي خصمه اليمين وهو ممسك بباب هذا الضريح ، وساد هذا الاعتقاد لفترات طويلة من الزمن، كما كانت النساء يلذن إلى الروضة طمعا في استشفاء الصبيان ، وكانت الشموع توقد ليالي الخميس إلى الجمعة ، كما كانت توضع أنواع مختلفة من البخور ، وتذبح "قرابين" بين الفينة والأخرى إيمانا بنجاعة ورضا هذا الولي الصالح ، كما كانت تقتسم اللحوم بين الحاضرين مهما كانت صفاتهم وأسباب حضورهم أو حتى بمجرد مرورهم على الطريق أثناء وقت الذبح ....هكذا كان الناس يعتقدون زمنا انعدم فيه الإرشاد الديني وراحت سيمفونيات الاعتقادات بجدوى الأضرحة هي السائدة ، ليس فقط بمنطقة افركلى، بل على امتداد خريطة المغرب ... ونضيف في نفس السياق إلى أن الفتيات البالغات سن الزواج كن يأتين إلى باب الروضة مع أقربائهن وذويهن فيشرعن في التدحرج ممددات من الأعلى إلى الأسفل على كدية عالية أمام المدخل، فيعرفن أن الوجهة التي انتهين إليها ستكون مقر بيت الزوجية مستقبلا ، فيطلقن زغاريد وأناشيد استبشارية بالفال الحسن. وانطلاقا من كل هذا، تكونت فرقة تهتم بالامداح الدينية، فاعتمدت على الدفوف و"التعريجة"، فتطورت سنة بعد سنة حتى ظهرت الطبول والمزامير—الغيطة— فسلبت مشاعر بعض الناس فأخذوا يحاولون تقوية "إيمانهم" بمثل هذه الطقوس ، فسلكوا اتجاهات عيساوة واحمادشة ، فتطورت أحوالهم حتى أصبحت الحضرة تاستهويهم فما عادوا بأحوالهم يشعرون .. فاستمر الحال على ذلك لفترات من الزمن. وعند مجيء حمو ازواوي ، والذي كان يشغل منصب القائد الممتاز بدائرة كلميمة، فكر في تحويل هذا الموسم إلى مرفأ اقتصادي هدفه النهوض بالمنطقة ، وتقوية اقتصادها على غرار مجموعة من المدن المغربية، فأدخل التنظيم وساهم في نشر الإعلانات، فأتى بالخيالة،وساهم في تشجيع الفروسية، ونظم عمليات البيع والشراء ، فكان نموذجا لموسم راق لمدة ثلاث سنوات متتالية، فبدأ السياح يأتون إليه من كل فج عميق، وبدأ مطار تنجداد يستقبل ما يناهز أربعة عشر طائرة خلال الأيام الثلاثة للموسم ،فبدأت الأهازيج الشعبية والفرق الفلكلورية تجد طريقها إليه...