أوسي موح لحسن جنة سياحية في أقاصي الجنوب الشرقي للمغرب هي مدينة أرفود, تتوفر على مؤهلات سياحية مهمة، خاصة أنها تتواجد في منطقة تفصل بين الواحات والصحراء, وتحتضن مناجم من المستحاثات يعيش منها أبناؤها إلى جانب ما تجود به أشجار النخيل من تمور جعلت منها فضاءا للمعرض الدولي الذي يقام كل سنة, وهو الموعد السنوي الذي عجل باخراجها من سباتها وانتشالها من التهميش الذي تعانيه. ******* في الطريق إلى أقاصي الصحراء من الرشيدية في اتجاه مدينة أرفود تتمايل أشجار النخيل بشموخ فيما تحرك الرياح سعفها بلطف. بساتين متفرقة تنتشر على طول الطريق. المنعرجات الممتدة على طول واد زير واغريس تقذف سالكها يمينا ويسارافيما تزين واحات النخيل الطريق على طول ضفاف الوادي. 75 كيلومترا تفصل مطار الرشيدية عن مدينة أرفود تقطعها السيارة في نفس المدة التي تقضيها الطائرة في مسارها من مطار الرباط وسلا نحو الرشيدية والتي لا تتعدى ساعة زمن. على طول الطريق تستوقف الزائر أشجار النخيل المترامية على طول الطريق على شكل حزام أخضر يمتد على طول لمح البصر, وبين الفينة والأخرى تتخلى الطبيعة عن ردائها من نخيل المنطقة لترتدي تربة سوداء وأحجار من ذات اللون. المكان يبدو خلاءا موحشا، لكنه يخفي وراءه عالما جذابا يأسر قلوب زواره. تبدو المدينة متواضعة في مدخلها, لاشيء يوحي بكونك في أحد أهم المناطق السياحية في المغرب, لكن ما إن تداعب عجلات السيارة الإسفلت حتى تظهر مدينة النخيل غنجها ومؤهلاها السياحية التي تنفرد بها عن غيرها من مدن المنطقة وخاصة الريصاني التي لا تبعد عنها سوى ب22 كيلومترا وأيضا مرزوكة التي لا تبعد عنها سوى ب58 كيلومترا في اتجاه الجنوب. أحياؤها لا تزال تحتفظ بطابعها القديم, فهي على شكل قصور دات باب رئيسي واحد على غرار كل المدن العريقة, لكن المركز الحضري توسع كثيرا ليحتل فضاءات كثيرة بسبب تزايد أعداد الساكنة فيها والتي تقدر ب 45.637 ألف نسمة. حي الحمري هو أقدم الأحياء في المدينة والذي تقطن به الساكنة الأصلية لها منذ كان مركزا حضريا صغيرا بقصوره الطينية, قبل أن يتم إحداث أحياء جديدة و حي النهضة وأحياء أخرى كالحي الجديد (حي المنكوبين) وحي السلام وحي النهضة أو ما يعرف بدوار العسكر وهي أحياء مشيدة على أالنمظ وإن كان غير منسجمة بشكل يكشف عشوائيتها وغياب مخطط تهيئة بالمدينة. بنية تحتية هشة التجول في أحياء المدينة يكشف حجم معاناة ساكنتها وأنها عانت من الإهمال والتهميش رغم كونها مدينة تحتضن للمرة الثانية ملتقى دولي يحضره الآلاف من الزوار من المغرب ومن مختلف دول العالم نهايك عن السياح من مختلف الجنسيات. كثير هي الشوارع بلا رصيف وبلا إنارة باستثناء الشارع الرئيسي الذي يفصل المدينة إلى شطرين، فيما بقية الأزقة أغلبها غير معبد وتتناثر الأتربة في كل مكان خاصة عندما تكثر حركة المرور وتكاد تزحف نحوها الرمال تماما كما غزت الضواحي بفعل الزحف والتصحر. المدينة تعاني أيضا من مشكل الواد الحار وقد سبق لفعاليات جمعوية بالمدينة أن قامت باحتجاجات ضد ِ”هشاشة البنية التحتية، وقلة المرافق، وتواضع الخدمات الجماعية، وتفشي البطالة”, فالتطهير لا يغطي كل الأحياء, كما أن القنوات الحالية بحاجة لتغيير لتسع كميات المياه التي تلفظها المنازل”.! وباستثناء الشارع الرئيسي للمدينة، فإن بقية الطرق غير معبدة وفي حالة متردية، وتفتقر لأي غطاء أخضر رغم أن المدينة في أصلها واحة غنية بغطائها الأخضر من حقول حيث الزراعات المعاشية وأيضا أعداد كبيرة من أشجار النخيل. فهي تعتبر من أكبر المدن المغربية في إنتاج التمور،إومنذ أزيد من سبعين سنة والسكان المحليون يحتفلون سنويا بالموسم السنوي للثمور أواخر شهر أكتوبر يحضره سكان الواحات التي تمثل 15 في المائة من المساحة الإجمالية للتراب الوطني بالمناطق الصحراوية والجنوبية الشرقية للمملكة والمنتجة ل 453 نوعا مصنفا. . المخطط الأخضر للمرة الثانية على التوالي تحتضن المدينة أكبر معرض في المغرب مخصص للتمور، ورغم توفرها على وحدات فندقية قادرة على استيعاب زوارها من مختلف الجنسيات لكن بنيتها التحتية كشفت عن خصاص مهول وفضحت المستور في تسيير هذه البلدية التي غدت مدينة ذا أهمية في الخريطة السياحية للمملكة. في هذه السنة أصبح للمدينة مخطط تهيئة، جعل من أولوياته تعبيد الطرقات والإهتامام بالأغراس والفضاءات الخضراء وأيضا الإنارة العمومية خاصة بأحياء تعرف الخصاص المهول في تلك الخدمات، إلي جانب توسعة الطرقات كل ذلك قد ينتشل المدينة من سباتها ويؤهلها لتتبوأ المكانة التي ستتبوأها في السنين المقبلة كقطب سياحي. كل ذلك بفضل المخطط الأخضر الذي يحتل قطاع النخيل مكانة متميزة فيه، وفق استراتيجية تثمين تروم الرفع من الإنتاج والإنتاجية في أفق 2020 وإخراج قطاع التمور من سباته, عبر إعطاء أقوى دفعة لقدراته التنافسية, وذلك عبر إجراءات أهمها إحداث 15 وحدة تخزين وتعبئة ومواكبة ومتابعة الفلاحين في الميدان وتحسين جودة مردود تمور تافيلالت من 16 في المائة حاليا, إلى 61 في المائة بحلول 2020. انتاج التمور الذي تتميز فيه منطقة أرفود سيجعل منه رافعة للتنمية، وذلك كان العزم على مضاعفة إنتاج التمور من متوسط 26 ألف طن حاليا إلى 53 ألف طن نحو 2020, وتوسيع المساحة من 15 ألف إلى 25 ألف هكتار, أي بارتفاع نسبته 83 في المائة. ولذلك تقرر توزيع 250 ألف شتلة لنخيل التمر موجهة للفلاحين بمناطق الواحات, وتمويل 35 ألف منتج فلاحي, يستفيدون من برنامج التنمية المتعلق بإعادة تأهيل نخيل التمر خاصة أن القطاع يعاني من تدبير تكتسحه الفوضى, ويشهد السوق وفرة في المنتوجات غير التجارية وذلك بنسبة 75 في المائة من الإنتاج الشامل. ويشكل الجفاف ومرض البيوض والتدبير السيء وغياب التثمين, عوامل تؤثر سلبا على هذا القطاع, الذي يعتزم مخطط المغرب الأخضر الرقي به إلى مرتبة مصدر هام للمداخيل. ساكنة واحة أرفود انتظمت في تعاونيات وجمعيات فلاحية للإستففادة من مشروع تنمية زراعة الواحات وتطوير قطاع زراعة النخيل المثمر، وذلك مساهمة منها في إعادة تأهيل وتشكيل بساتين النخيل الموجودة، والممتدة على مساحة إجمالية تعادل 48 ألف هكتار، وإحداث مشاتل جديدة خارج نطاق الواحات على مساحة 17 ألف هكتار، إلى جانب رفع إنتاج التمور إلى 160 ألف طن بدل 90 ألف طن في الوقت الحالي. ناهيك عن مشاريع عديدة سيستفيذ منها عدد من المنتجين والفلاحين بالواحات منها مشروع غرس 9ر2 مليون نخلة في أفق سنة 2020، ناهيك عن منح إعانات مجانية بحوالي 80 في المائة من أجل غرس الضيعات التي تقل مساحتها عن 5 هكتارات وتقديم إعانات للضيعات التي تفوق مساحتها 5 هكتارات من أجل ري أشجار النخيل بالتنقيط لتحقيق إنتاج يصل إلى 1 مليون و600 ألف طن من التمور. تدهور أشجار النخيل، دفع الكثيرين من ساكنة الواحات للتخلي عن مود رزقهم والتوجه نحو المدن، لكن ساكنة المنطقة من القلة التي تزال تهتم بغرس النخيل وتسويق ثماره، ومنذ احداث المعرض الدولي الأول المقام في السنة المنصرمة انخرطوا في مشروع وطني يرمي الحفاظ على مناطق الواحات باعتبارها خزانا استثنائيا للتنوع البيولوجي وذلك انطلاقا من مقاربة تنموية-تضامنية، وكل ذلك أجل خلق تنافسية أكبر في مجال تحديث سلسلة التمر وتحسين إنتاجيتها, وكذا وضع مشاريع لمواكبة الفلاحين الصغار والرفع من الاستهلاك الوطني وتوفير فرص أكبر للشغل، وإن كانت واحات النخيل قد عرفت تدهورا بشرق المملكة وفي مناطق الجنوب الشرقي, وذلك بفعل موجات الجفاف المتلاحقة والتغيرات المناخية الطارئة خلال العقود الأخيرة, وانتشار الأمراض المضرة بالنخيل من بينها مرض «البيوض» الذي قضى على حوالي 500 ألف نخلة. مستشفى للمكتئبين بعيدا عن مدينة زرفود تتواجد أعداد من الوحدات الفندقية، تستفيذ من جمالية الواحات وأيضا الرمال الذهبية، تستقطب عشاق مراقبة شروق وغروب الشمس من السياح خاصة الأجانب، لكن وضعية النية التحتية بالمدينة تجعلها ممرا لعبور أفواج السياح نحو منطقة مرزوكة بالأساس حيث العديد من المآوي السياحية وخدمات سياحية متميزة منها رحلات على متن الجمال وقضاء ليالي في الخيام تحت النجوم. مرزوكة القريبة من أرفود أشبه بماربيا الإسبانية تطل على الحدود المغربية الجزائرية، هي منطقة يعيش أهلها من الفلاحة المعاشية في الواحات فقط ومن الرعي، نشاط تراجع مع توالي الجفاف ودفع ساكنة المنطقة إلى الهجرة بحثا عن لقمة العيش ولو خارج البلاد، لكن تغير الأمر بعد تنامي النشاط السياحي وبدأ تشجيع البقاء في المنطقة وتزايد الإستثمارات فيها. مؤهلات سياحية كبيرة خاصة السياحة الصحية، المنطقة يقصدها المصابون بالروماتيزم، فالرمال توفر الفضاء الأمثل للتداوي منه. ليست مرزوكة فقط ملاذا للباحثين عن الإستمتاع بجمال الواحات، بل أيضا كما يقول أحد المنعشين بالمنطقة «مستشفى للمكتئبين»، فضاؤها الهادئ ومناخها الجاف والحار صحي ويصلح للإسترخاء. تعرف أرفود ومرزوكة ونواحيهما مبالهدوء، كرم أبنائها وتواصلهم مع الزوار يشجع السياح على التردد على المنطقة. وليست والشمس والجو الحار هو ما يستهوي الزوار، بل إن المنطقة تتوفر أيضا على واحات بها حفريات ورسوم صخرية، السياحية الإستكشافية مؤهل آخر من مؤهلاتها وأيضا السياحة المغامراتية والمكيانيكية بالنسبة لسباق السيارات والدراجات والراليات العالمية، زد على ذلك سياحة المغامرة بالصحراء، تلك مجالات لم يتم استغلالها بالشكل الكافي، خاصة سياحة الخيام وسط الكثبان الرملية المكان المفضل لمراقبة شروق وغروب الشمس. رحلات عديدة تنضم على متن الجمال لقضاء سهرة مميزة في فضاءات الصحراء بين كتبان الرمال والإستماع بالنجوم في الليل. الركوب على متن الجمال والمبيت تحت الخيام والإستمتاع بنمط العيش في الصحراء تجذب العديد من العشاق، وذالك ما يبحث عنه أغلب الوافدين على المنطقة من سياح أجانب ومغاربة أيضا. أبناء المنطقة خاصة الشباب منهم المتعلم، وجد في المنطقة فرص الشغل وإن كانت قليلة، كثير منهم يعمل في المأوى وفي رعاية الجمال ومرافقة السياح الذين يستمتعون بامتطائها، وأيضا بيع المستحاثات التي تزخر بها مناجم المنطقة والتي تباع بأثمنة بخسة، فالمنطقة بها عدة مناجم لاستخراج كنوز طبيعية تعود لأكثر من 420 مليون سنة، وهي تتخد أشكال حلزونية ومخلوقات شبيهة به عاشت منذ ملايين السنين بالمنطقة. ويشتغل الشبان أيضا في سياقة السيارات التي يملكها أرباب المآوي، حياة الشباب تغيرت في منطقة عرفت بنشاط الرعي قبل أن تنشط بها السياحة، وإن كان كثير منهم يضطرون للتنقل إلى الريصاني من قبل لاستكمال دراستهم لكنهم الآن يتابعونها بابتدائية بالمنطقة وبالطاوس حيث شيدت إعدادية ودار للطالبة منذ سنتين. يعمل بالمنطقة حوالي 600 مستخدم، غالبيتهم من أبناء المنطقة محتاجون إلى تكوين في مجال الفندقة، ولأن أغلب المآوي ملكية عائلية فإن الأمهات والأخوات أو البنات هن من يتكلفن باعداد الوجبات للزبناء. أغلب زوار المأوي بمنطقةتي أرفود ومرزوكة هم من الإسبان الذين يعشقون رياضات الصحراء وركوب الجمال، ثم يليهم الفرنسيي ثم الألمان، بل إن الأسيويين أصبحوا يزورون المنطقة، أما المغاربة فكل ما يعرفونه عن المنطقة هو الرمال الساخنة و تداوي الروماتيزم، خاصة في منطقة المرداني وحاسي المرداني على بعد أربعين كيلومتر من الحدود المغربية الجزائرية. مؤهلات عديدة تزخر بها منطقة زرفود ونواحي من الريصاني إلى مرزوكة، لكن غياب خط جوي متواصل يوميا يعيق تشجيع سفر السياح إليها، فالراشيدية لا يربطها غير طائرة واحدة بالدار البيضاء في الأسبوع، لذلك يضطرون للسفر إليها عبر سياراتهم أو عبر وكالات الأسفار. الطريق بدورها مهترئة، لكن المنطقة بمؤهلاتها السياحية قد تصير قطبا لا غنى عنه في السياحة الوطنية.