موحا أشُمُور، المسكين، بطل لمقطع غنائي عُرفت به مجموعة صاغرو بند من خلال شخصية المرحوم مبارك أولعربي، الذي ينحدر من السفوح الجنوبية الشرقية للوطن ، نبت تحت جبال احمرت جفون عيونها بكاء ، تحت عصف رياح صرصار عاتية، تلسع الأذن، وترتجف الأوصال ببرودتها المريعة في فصل القر، أرضه لا تُنبت إلا الحجر، طبيعتها فيها قساوة شديدة وجفاء رهيب ، ينحت الإنسان فيها قوت يومه من الحجر و بعض المنتوجات الفلاحية، التي تسكت الجوع لبعض الوقت ،لكنها مناطق رحبة أنتجت إنسانا بعفته وأنفته، قهر المستعمر في وقائع شهد له بها التاريخ المجيد، في معركة بوكافر وبادو وتافيلالت ...إنسان لا يستصغر نفسه ولا يستجدي اللئام ،كثير الحياء قنُوع بما أخذ يقضي حوائجه بما وجهه .....في أحضان هذا الوسط شبت شخصية موحا أشمور ،تحت أشعة شمس حارقة ، لم يطلع على الغيب رغم أنه عارف عيوب الزمن، ولم يُسعفه الحظ أن ينال المقامات والدرجات ، عاش على التوجس ، ولم يُدرك أن بالمُخالفة يمكن أن تُدرك الغاية ، ظن مُحالا وسكن إليه، حدثه الليل والنهار بأنه لا يُمكن أن يحلم ولا ينبغي أن يكون وزيرا ،لأن عُمر الأشقياء مرصود أبدا للبقاء (اكلين موحا مدجين اوارغ أديك الوزير )لكنه شبع ضربا وركلا ورفسا، ليكون صورة أخرى لشخصية اوغيغوش البطل الإشكالي الذي من حقه أن يرفض،أويقبل، لكي يعيش ويجري ويحيا، ويكبر، ويحلم ... .
أدرك موحا ما عليه، لم يركن أبدا إلى الجهالة، علم وأدرك ما عليه، فشمر على ساعديه فرأى حُلما جميلا، واستبشر خيرا، وقرر جمع حقائبه وترك الوطن للوطن: لا ،تهربا، بل للتسلح بعلم عله ينفعه كما نفع آيت عريبان على وزن آيت سخمان وآيت عطا وآيت مرغاد ، كما سماهم الفنان خالد البدرواي في مقطوعته الغنائية ... رمى أخي موحا الخبز، الذي ألفه ،طمع في خبز نقي ناصع أبيض ..رقد ،واستغفر في الأحلام وجمع رُزمته التي لا يجد فيها اللصوص ما تعلق به قلوبهم ، ووضع في زاوية غير منسية من قلبه عطف وحدب إمغارن ، وتمغارين ، فحط الرحال في بلاد العجم، وردد بعض ما سمعه من الكلام المنثور : إذا كنت في غير أهلك فلا تنسى حظك من الذل،ليقتنع بدلالة القول وبما يُمكن أن يلحقه هناك من احتقار واستخفاف ،لقد غادر الأوطان طلبا للمجد واكتساب معيشة ،وعلم، وآداب، و صحبة ماجد ، وهاجر تُربة الطفولة التي غرست في القلب حُرمة وحلاوة كما تُغرس الولادة في القلب ،والصبر مطلوب منه والحُكم بالوفاء ملزوم عليه، ركب الغُبار طمعا في أن يرفعه المقام لتشهد له العرب و العجم بالنجاعة والنجابة فإذا تذكر الأهل شده الشوق، وكأنه قد سمع ما قاله أهل الهند : حُرمة بلدك عليك مثل حُرمة أبويك، حن وهو أحق بالحنين لأن الصفة من رقة القلب ،ورقة القلب من الرعاية، والرعاية من الرحمة، والرحمة من كرم الفطرة ،فكم منزل في الأرض يألفه الفتى لكن حنينه أبدا لأول منزل ....، عرف حاجته وعرف جليسه وأخبر عنه الغائب بالصبر، أخلاقه من الأهل، لكنه رأى بعد بُرهة بشائر الحق التي ترددت على قلبه، وتعلم ما لم يكن يعلمه، فتبرأََ عَلَنا من الذين عذبوه ونومُوه، وشمتوا فيه، فتقطع حسرة وخلع قميصه من قميصهم وجلده من جلدهم واسمه من اسمهم لأن مُراده عزيز ومَرماه بعيد في وطن بضاعته في الربح بائرة ...... قام المسكين بما يجب، حزم العزم ،والرزمة من جديد، بشهادة قد لا تنفعه في وطنه لسبب وحيد أن اسمه موحا . أخي القارئ هل قصد المرحوم مبارك في مقطعه الغنائي شخصا محددا، أو تلك صورة من صور سيزيف وبرمثيوس، وأوريديس، والحلاج، والمعَري ،وابن الرومي ومهيار ...قد يكون ولا يكون، لتداخل الواقع والمُتخيل في الهواجس..وهل قصد المرحوم بعض ما أشرت إليه، في هذه المقاربة المبسطة، والقليلة، أو هو تعسف وعنف كوميسيري مارسته بدوري على مقطعه الغنائي ..... فلا أنا ولا احد يستطيع أن ينوب عن الفنان مبارك المبارك الذي سكننا وجدانيا، ولن يموت في الأعماق لأنه ناب عنا في التعبير، ناب عن امة قهرت وهُمشت قصرا، دهرا من الزمن، وكل إجابة عن السؤال فهي مُجرد قراءة ثانية وتأويل للمقطع الغنائي ، وتلك ميزة الفن الرفيع الذي يُحاور زمنا لم يأت بعد وأملنا في تعاليق القراء كبيرة أن يُخلصوا لروح الفقيد ، وهو الخير الكبير والعظيم الذي يمكن أن يُقدموه وفاء وإجلالا له ،لتخليد اسم موحا واسم مبارك في ثقافة الجنوب الشرقي. أخي القارئ هل ترك فيك المرحوم بصمة أو إحساسا ما..شيئا ما ، وهل تريد أن تترحم على روحه، وتتعاطف مع ذويه وأصدقائه و موحا،فاكتب تعليقا ولك كامل الشكر، والله محقق لكل أمل ومُزكي لكل عمل وهو خير المنتجعين وأجود الأجودين وأكرم الأكرمين.. آمين. . ... والسلام عليكم .