لا يكاد يخلو جناح أو قسم في مستشفى ابن سينا بالرباط، الذي يعد أكبر وأشهر مستشفى ليس في المملكة المغربية فحسب بل على الصعيد الإفريقي، من جحافل القطط التي تتجول بدون أدنى حرج فمستشفى ابن سينا، المعروف اقتصارا في المغرب ب"السويسي"، كان وما زال قبلة للقطط بكل أصنافها وبمختلف تلاوينها. وحسب العارفين بخبايا هذا الموضوع، فإن القطط أضحت ظاهرة تميز مستشفى ابن سينا عن غيرها من المؤسسات، فهي قبلة القطط بامتياز، بل إن هذه الظاهرة تنامت بشكل لافت للانتباه منذ السنوات الأخيرة. حسب لعبيدي علي، مسئول في مكتب الوقاية في مستشفى ابن سينا، فإن قرب حلول فصل الصيف يعني بداية هجرة القطط إلى المستشفى، إذ تحل أفواج من القطط من كل حدب وصوب للاستقرار بين أحضان هذا المستشفى الفسيح الذي تقدر مساحته بالهكتارات. يقول لعبيدي إن أفواجا من القطط تأتي من الأحياء الجامعية المجاورة للمستشفى وأيضا من معاهد الدراسات الجامعية ومن الكليات، ويفسر هذه الهجرة بتزامن الصيف مع العطلة وخلو هذه الأماكن من الطلبة الذين يشكلون طيلة السنة "معيلا" أساسيا للقطط، "فعند حلول الصيف، وبسبب عودة الطلبة إلى مدنهم لقضاء العطلة مع عوائلهم، تضطر القطط إلى أن تشد الرحال إلى مستشفى ابن سينا حيث الحركة دؤوبة ومستمرة، ولا مجال للعطلة في هذا المستشفى الذي يعج بالمرضى الذين يجودون على هذه الكائنات الحيوانية ببقايا الأطعمة"، يوضح المسئول في المستشفى، الذي حكى لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)مجموعة من الطرائف في إطار حربه مع القطط. فمستشفى ابن سينا يبقى المنفذ الوحيد للقطط التي تختار هذه الوجهة السهلة، ثم إن الموقع الجغرافي لهذه المؤسسة الاستشفائية يجعل منها قبلة للقطط. فالمستشفى يقع بالقرب من نادي الخيل، وهو فضاء شاسع يعج بالقطط التي تضطر إلى البحث عن مأوى بعد يوم مضني من الجري والركض في هذا المكان المخصص لترويض الخيول. بعبارة بسيطة ومختصرة، يصف لعبيدي، القط الذي يعيش في مستشفى ابن سينا، بأنه قط انتهازي، لأنه يعتمد على تغذية المرضى، كما ستغل جولاته بين مطابخ المستشفى، إلى جانب العطف الذي يكسبه من الموظفين الذين عادة ما يتعاملون مع القطط بشكل لطيف ويتعاطفون مع هذه الكائنات الحيوانية الأليفة. من جانب آخر يرى العارفون بمجال الوقاية أن حضور القط في المستشفى يبقى ضروري، بل مؤكد في كثير من الأحيان. فالقط، يوضح لعبيدي، يضمن التكافؤ الطبيعي من خلال قضائه على الفئران والجرذان التي تتخذ أمكنة للاستقرار خصوصا في قبو المستشفى وفي قنوات صرف المياه، وأيضا وسط الغابة التي تحيط بالمستشفى. لكن بالرغم من هذه الوظيفة الطبيعية الأساسية والجوهرية، فإن المكلفين بالوقاية داخل المستشفى، يضطرون إلى تنظيم حملات أسبوعية لتقليص عدد القطط التي تغرق المؤسسة وتخلق في الكثير من الأحيان انزعاجا للمرضى من ناحية ومن ناحية ثانية خطورة على صحتهم بحيث تفضي هذه الحملات إلى جمع ما لا يقل عن مئة قط يتم إرسالهم إلى مقر جمعية الرفق بالحيوانات، هناك يقتلون على الفور. غير أن هذه الصيغة دفعت البعض إلى فتح إمكانية التفكير في صيغة أخرى عوض التخلص من القطط. فكر لعبيدي مليا في الموضوع رفقة مجموعة من العاملين معه في الفريق، فخلصوا إلى ضرورة اعتماد طريقة أكثر ليونة من خلال حمل القطط إلى خارج مدار العاصمة الرباط، وبالتحديد على بعد 20 كيلومترا، حتى لا يتسنى لهذه القطط العودة إلى المستشفى، "فالقط يتعرف على المكان الذي ترعرع فيه ولا يتسنى الرجوع إليه إلا إذا قطع مسافة تفوق 20 كيلومترا، لذلك، نرى من الضروري اعتماد هذه الوسيلة عوض القتل في مقر جميعة الرفق بالحيوانات أو القتل البطيء كما كان يعتمد في السابق من قبل إدارة المستشفى"، يوضح لعبيدي، الذي قدم مقترحا يقضي بإحداث ما اسماه "مطعم جماعي للقطط"، من خلال تخصيص قاعة للأكل تتعرف عليها القطط وتتعود على قصدها لأخذ غذائها، فهذه صيغة مناسبة لتجميع القطط في مكان واحد وتسهيل عملية القبض عليهم. وأبانت التجربة نجاعتها، ففي ظرف أربع أو خمسة أيام، يمكن تجميع عشرات من القطط التي يتم في ما بعد حملها إلى خارج العاصمة. وهناك مخطط ثاني تم التفكير فيه بجدية يتمثل في محاربة تكاثر القطط، إنه حل علمي، يقول لعبيدي، لأنه يعتمد على تعقيم الذكور، إنه أسلوب علمي وحضاري يهدف إلى التقليل من النسل، إلا أن اعتمادها يحتاج إلى إرادة. وحسب العارفين بالموضوع، فإن هذه العملية غير مكلفة وتتطلب نوعا من المتابعة. وبلغة الأرقام، يكشف لعبيدي وجود حوالي 240 قطا داخل مستشفى ابن سينا يتجولون بين مختلف المصالح والأقسام الاستشفائية، يتوزعون بين مختلف الفئات من بينها 12 عائلة تبقى مسيطرة على المستشفى. أما في مرحلة التوالد، فإن العدد يكثر، ويحذر المتخصصون من ارتفاع العدد بسبب خطورة القطط التي تتجلى أساسا في المساهمة في نقل الأمراض المعدية. فعالم القطط بمستشفى ابن سينا غريب، فهذه الكائنات تبقى مقتنعة بمنطق التكتلات والانتماءات، تدافع عن تلك التي تنتمي إلى فصيلتها أو عائلتها، وتهاجم الغرباء، المهم أن مئات من القطط التي تتجول في المستشفى لا تقوم بذلك عبثا ، بل إنها تحدد نظاما داخليا خاصا، وكل قط أو قطة سولت لها نفسها الخروج عن ذلك، تتعرض للعقاب المفضي أحيانا إلى الموت. الاحد 29 ماي 2011