بعض الناس ينظرون إلى المرأة مثلما ينظرون إلى القمر.. قلت القمر،لأن للقمر وجهين: وجه مضىء وآخر مظلم. أما الأول، فهو الوجه المنير الذي لولاه لما قال الرجل للمرأة حين ينظر إليها بأنها كالوردة والزهور والياسمين وما شابه ذلك من زينة الحياة الدنياونعيمها..وهذا الوجه المضيء وما ينتجه من أطفال وسعادة زوجية وعلاقات اجتماعية يقوم عليها النسيج الإجتماعي كله، هو الذي يدفع بعض الناس لأن يمنحوا لها قيمة اجتماعية، ويرفعوا من شأنها، ويدافعوا عن حقوقها، وينسجوا حولها أشعارا يتغنون بها.. أما الوجه الثاني المظلم، فهوالذي يدفع البعض حين ينظرون إلى المرأة إلى اعتبارها، مجرد (الإسم الحركي ) لكل أنواع الهوان والعذاب والخطيئة في الدنيا.. وأنها ناقصة العقل والدين.. وهؤلاء حتى عندما يفحصون أجزاءها على حدة، ويفكرون في أعضائها "الحيوانية"، ويخيل إليهم أنهم يشمون رائحة كريهة تنبعث منها، أنها قبيحة منفرة بشكل مخيف، وأنها عورات و"شوهات" وفتحات تحتاج إلى عدسة مكبرة كي تظهر..وأن ما يسمى حتى بالغزالة عندهم، عندما تحمل تتحول إلى بقرة متوحشة، وأن الرجل يتعاطف مع هذه المرأة / البقرة ليس لجمالها ولا لقبحها فحسب، بل لضعفها؟،وحتى أولئك الفتيايات الفاتنات أشبه بالحوريات الساحرات سيتقدمن في العمر في نظر هؤلاء ويصبحن يوما عجائز شمطاوات يعرجن ويزحفن بتثاقل..فالمرأةعندما تشيخ ، يا للخسارة، لايبقى عندها لاجمال ولاحتى جنس محدد، بل تتحول إلى مسخ مقيت لايطاق، فأغلب الأنوثاتوهذا قانون الطبيعة تالفة لامحالة مع الزمن وبشناعة.. نعم المرأة مليئة بالنقص والعيب لكنها تضم بعض اللحظات الغنية التي تجعل الرجل يتشبث بها ويعتبرها وردة وزهرة من زهور الربيع اليانع، وزينة الحياة الدنيا، ويدافع عن حقوقها..إنها أيضا الأم، والأخت، والزوجة.. ومن دلائل عظمة القرآن وإعجازه، أنه حينما ذكر الزواج لم يذكر "الحب"، وإنما ذكر المودة والرحمة والسكن..وها هو الفيلسوف الهولندي شوبنهاور رغم ما يؤاخد على مواقفه من تشاؤم يرى أيضا في« كتابه العالم من حيث هو إرادة وتمثل»"1996، «أن الحب ليس إلا الجنس، والجنس ليس إلا حيوانية الإنسان.فكأن الإنسان لابد أن يكون حيوانا لكي تكون هناك حياة. فهو لعبة الحياة بإسم الحب والزواج..»، وفي ذات السياق ، نجد الفيلسوف الألماني إرنست رينان يتمنى أن يولد بعد موته ليشهد نهاية العالم، ليرى ما حققته البشرية من تقدم ومخترعات وعلوم وما وصلت إليه المرأة أيضامن تقدم أو تفسخ في تلك اللحظة الأخيرة من حياة البشرية..رينان يتمنى كل هذا، رغم أنه لايعاني في حياته إلا من مشكلة واحدة، وهي، كيف يستطيع أن يحب زوجته لعامين متتاليين..؟ !،إنها لمشكلة مرعبة وفظيعة حقا..؟ !.ليس رينان وحده هو الذي يعاني مثل هذه الحالة، فأمثاله كثيرون في العالم.. ففي روسيا نجد الأديب الروسي الكبير أنطوان تشيخوف يقول:«الطب زوجتي والأدب عشيقتي.فإذا تعبت من واحدة أمضيت الليل مع أخرى».وفي فرنسا يقول الأديب الكبير فكتور هيجو: «الذكاء زوجتي، والخيال عشيقتي والذاكرة خادمتي».. ليكون هؤلاء بمنطقهم ذاك قد تجاوزوا عقدة إسمها عند أغلب الرجال :المرأة !؟ أمام كل هذه الآلام والكوارث التي تحدق بعلاقة المرأة بالرجل، ألا يكون التفاؤل سخرية من ويلات البشر؟، ماذا لو كان كل الرجال مثل رينان وتشيخوف وهيجو ومن سار على منوالهم؟،ولماذا يتزوج الرجل، إذن، إذا لم يستطع أن يحب زوجته لعامين متتاليين مثل رينان؟. أغرب جواب حصلت عليه في هذا الصدد هو، يتزوج الرجل لينجب الأطفال ليشغل زوجته بهم فيسترد شيئا من حريته المفقودة التي افتقدها وهو سجين داخل مايسمى ب﴿القفص الذهبي﴾. لكن هيهات، حتى تلك الحيلة البسيطة لن تنجح الرجل، فالمرأة ترضع طفلا وتهدهد آخر، ولكنها في نفس الوقت تحملق وتبحلق في وجه زوجها بتكشيرة بوليسية وتسأله والسخط باد على وجهها حتى وإن عاد من المسجد بعد أداء صلاة العشاء، أين كنت؟ لماذا غبت إلى هذه الساعة..؟ ! مرعب جدا، ورائع جدا هذا الثنائي المسمى بالرجل والمرأة، فالرجل هو العدو الحميم للمرأة لأنه هو الذي يصنع الحروب والميز والحواجز الإجتماعية و«الصالح» و «الطالح» ويلزم المرأة بهما، هذه المرأة التي عليها إما أن تحافظ على تلك الحواجز والأعراف أوتتمرد وتثورعليها لأنها، طبعا،من صنع هذا العدو الحميم الذي هوالرجل.. ! محمد حداوي