هذا الهيكل الخشبي الضخم لم يكن الصعود إليه يتطلب مرورنا نحن أطفال الحي من شباك التذاكر .. كان يكفي شراء “”كومير ” طري و ملؤه ب ” طرطية ” بطاطس في المنزل و قارورة زجاجية شاغرة من الكونفيتير الذي يعوضه الأتاي ، لنتسلق أدراجه العالية كجرذان هاربة متوجهين من مدينتنا المشتعلة بلهيب الصيف إلى شاطئ ” زايلا ” .. داخل مقصوراته كنا نجد مجتمعا صغيرا بكامل تفاصيله .. بشر مشبوحون على الأرض … حقائب سفر كبيرة مشنوقة ب ” قنانب ” تكاد تخرج ما بداخلها من أطمار بالية .. رائحة ” الكوامل ” و تجمعات صغيرة حول صحون القلعي و الأشداق تمتد إليها بلهفة الجوع .. كان قطار ” الكاطريام ” عندما ينتهي من الإنزال و الإركاب و يقلع من المحطة ببطئ شديد وسط صفيره المزعج ، كنا نشعر و كأنه إنجاز تحقق بعد طول انتظار … يخترق الحقول و الشعاب كسلحفاة لا ينتظرها أحد … يصل إلى منطقة ريصانة حيث مزارع البطيخ الأصفر الفاقع لونه يسر الناظرين .. يقوم أحد الأشقياء على متن القطار بجذب مثلث حديدي متدلي بين العربات كان جهاز إنذار يشعر السائق بضرورة التوقف و استطلاع الأمر .. يقف القطار وسط حقول البطيخ فتنزل الجحافل من المقصورات مهرولين نحو الخيرات الصفراء التي لا تحدها الأبصار .. يعودون إلى أماكنهم سالمين غانمين ديسيرا طازجا لم يكن في الحسبان فينطلق القطار من جديد بعد التأكد من الإنذار الكاذب .. تلوح ” زايلا ” بعد ثلاث ساعات صباحية بشاطئها الشاسع الخالي الذي ينتظر الشعب .. ف ” يتبحر ” الشعب الفار من اللهيب و يأكل طورطيته و بطيخه المسروق .. و يعيش في سعادة و أمان !!