كل مساء جمعة كنت أزور جدتي بعدما أنزع جلبابي الأبيض وأرتدي سروالا يسعفني على الهرولة أو الركض ، كنت أدرك جيدا أنها تنتظرني بشغف، وكانت تدرك أني أترقب ذاك المساء الجميل بشوق فكلانا لدى الآخر حاجته ، أدفع الباب بيدي الطرية، لم أجد الباب يوما موصدة ، كانت كبيرة عريضة خضراء كفؤادها تماما ، لم أفز بمناداتها يوما قبل أن تناديني هي وأنا أهم بصعود الدرج إلى الطابق العلوي، كانت تحب المكوث هناك قريبة من السماء، تنظر إلى الأعلى عبر كوة وبين يديها سبحة وردية، أنحني مقبلا رأسها المدثر بالبياض دوما كالكفن المستعد للرحيل، تبتسم في وجهي، تقبل يديي ، تمسح على رأسي وترتل في همس وغموض وعيناها الحالمتان إلى السماء ، لم أكن أدرك ما تردد ، ماكنت أدركه أنها تدعو لي وللناس وللعالم أجمع ، كان عالمي آنذاك عبارة عن مدرسة ومعلمي الصلب والحارس عمي الحسن والحي العتيق والجارة مي طامو وسينما بريس كالدوس وحلقات المرينة، كانت تطرق السمع لي كثيرا وأنا اتحدث بقليل من الواقع وكثير من خيال الطفولة، عن الدراسة والبطولة واللعب ودار الباشا ورجال المطافئ وحمام قوس المحلة ومدخل الخيالة وسكة القطار، تبتسم ، تخفي ضحكاتها المتقطعة ربما تفاديا لإحراجي لكن أشعر أني أسعدها. أزدرد ما خبأته لي من حلوى ، آكل حصتي من كسكسها اللذيذ بلحم القديد المغري ، عندما أهم بالانصراف تتحسس خرقة خضراء محزومة بعناية تحت وسادتها البيضاء، تفك رباطها بما تبقى من أسنانها وتمدني بنقود تمكنني من شراء تذكرة السينما. لكل زمن قديس ، في طفولتي كانت قديسة تدعى جدتي .