لا زال الجميع يتذكر أن دستور 2011، ضمن في مواده مبدأ : ربط المسؤولية بالمحاسبة. و لقد استبشر المتتبع للشأن المغربي خيرا بتضمين هذا المقتضى في الدستور اعتبارا لكونه سيكون المدخل لمنطقة محرمة تتعلق بمحاسبة المسؤولين كلما ارتكب أحدهم زيغا ،و بمعنى آخر وضع حد للإفلات من العقاب. و مع مرور الوقت تبين أن هذا المقتضى لم يفعل ،لأن تنزيل هذا المبدأ يقتضي إخضاع أصحاب القرار السياسي و المالي للمساءلة. مناسبة هذا الاستهلال هو أن السيد ” إدريس جطو” رئيس المجلس الأعلى للحسابات ،عرى من خلال التقرير الذي قدمه في البرلمان ،التجاوزات التي شابت البرنامج الاستعجالي الهادف إلى إصلاح التعليم عن الفترة (2012-2009)،حيث أكد أن ملايير الدراهم التي رصدت لهذا البرنامج تعرضت للتبديد و سوء الاستعمال (45،3 مليار درهم). و كان من بين نتائج هذا البرنامج-حسب زعم – السيد جطو : -الاستعجال. -الشروع في تنزيل مشاريع جرى التخلي عنها ،بعدما تبين أنه لم تعد تلائم الواقع التعليمي المراد إصلاحه. -فسخ مجموعة من الصفقات بعد الشروع في إنجازها. -عدم ملائمة المشاريع المبرمجة للقدرات التدبيرية للوزارة و الأكاديميات. كل هذه الفضائح دفعت بشركاء عدة إلى عدم الالتزام بتعهداتهم. و بالرغم من كل هذه التجاوزات لم يحاسب المسؤولون عن هدر المال العام ، و اتخذت إجراءات تأديبية في حق موظفين صغارا ،فيما ظل المسؤولون الرئيسيون عن البرنامج بمنأى عن أية مساءلة و ملاحقة. من دون شك أن من بين المسلكيات و الأعراف السلبية في هذا الوطن هو متابعة المنفذين الصغار و العفو و الصفح عن كبار المسؤولين. و ما حادثة قطار ” بوقنادل” ،إلا دليل على ما سلف،فقد حُمِّلَ المسؤولية الجنائية عن مقتل 07 مسافرين و جرح 125 آخرين لسائق القطار ،فيما المسؤوليين الحقيقيين عن الأوضاع المزرية لقطاع النقل في المغرب و هما: المدير العام للمكتب الوطني للسكك الحديدية و وزير النقل ،لم تحركهما المأساة التي نتجت عن الحادث ،كما أنهما لم يتحملا مسؤوليتهما الأخلاقية و يتقدما باستقالاتهما. إن هذين الحدثين لوحدهما ،يفيدان شيئا واحدا و وحيدا هو ابتعاد السلطة عن مساءلة الكبار و التضحية بالصغار. إن ما سبق بسطه ،يمكن اعتباره دليلا قاطعا على ابتعادنا عن دولة القانون ،حيث يساءل و يحاسب أي شخص ثبت تقصيره في المهام التي أنيطت به و يقع تحت طائلة القانون. و إذن مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة المضمن في دستور 2011 ،لن يعدو أن يكون حبرا على ورق.