ذات صباح من أيام الشتاء الباردة ، و نحن التلاميذ في إحدى أقسام مدرستنا الابتدائية ، سمعنا طرقا قويا بباب الفصل ، تلاه اقتحام المدير له ، وقفنا احتراما له ، و أمرنا بالجلوس في مقاعدنا ثم انطلق يقدم لنا طفلا كان برفقته ، و أكد لنا أنه سيصبح من بين تلاميذ فوجنا. كان هذا الطفل طويل القامه ، نحيف الجسم وسيما بملامح حادة ، يكبرنا سنا ، و ما كان يميزه سواد بشرته. كان يسمى " الجيلالي" . كان منطويا على نفسه ، لا يتكلم كثيرا و يكتفي بالاستماع للمعلم أثناء إلقائه الدرس دون التدخل .و كلما طالبه بالإجابة عن أحد الأسئلة ارتبك و اضطرب، مما يجعل قاعة الدرس تهتز بالضحك عليه من طرف التلاميذ. كنت كما غيري من الصبية ، أبتعد عن " الجيلالي" و أتوجس خيفة من شيء لا أعرفه و أتوقع أن يصدر منه ، و الحال أن الفتى كان وديعا و هادئا. لكني تأكدت فيما بعد أن لون بشرته المميز ، ربما كان سبب نفور التلاميذ منه . مع مرور الأيام ، بدأ يقترب منهم شيئا فشيئا و ينخرط معهم في ألعابهم و تسلياتهم. قضى " الجيلالي" ، 04 سنوات في دراسته الابتدائية و لم يتمكن من النجاح في امتحانات الالتحاق بالتعليم الثانوي. و نتيجة رسوبه ، و معاناته من العنصرية التي كانت تمارس عليه من أقرانه و موظفي الإدارة ، قرر عدم العودة للمدرسة قصد متابعة دراسته. انقطع عن التحصيل ، و التحق بدكان أبيه لمساعدته في تجارة بيع الملابس البالية و القديمة. يتبع …