بوزرته الزرقاء التي تنحذر أسفل ركبتيه و قامته القصيرة و عينيه المتقدتين بذكاء فطري , كان حي للا العالية بالقصر الكبير في تلك الثمانينات البعيدة بدون " السيكليس " الميلودي يبدو ناقصا لشيء ما .. صياحه و هو يوزع دراجات الكراء الخضراء الثمانية عشر على زبنائه المخلصين من تجار دكاكين " سوق سبتة " و " سوق الحنة " وقت الظهيرة كان طقسا مسليا لنا نحن أطفال الدرب .. كانت له سبورة في ركن المحل بها جدولان متلاصقان , واحد لاسم المكتري و اخر للساعة التي انطلق فيها , و فوقهما ساعة داخلها دجاجة لا تتوقف عن التقاط شيء ما .. كان دائما يحلو له عندما يرمقني واقفا بجوار محله أن يناولني الطباشير و يطلب مني التكفل بمهمة " ضبط " عملية خروج الدراجات و أسماء مكتريها .. كان يتنبأ لي ساخرا أن أصبح كاتبا عموميا أو عونا بالبلدية لجمع " الصنك " .. عند انصراف الزبناء كانت تأتيه " قفة " من عند والدته بها " كاميلة " مغلقة باحكام و خبزة كبيرة لا ينتظر طويلا حتى يجهز عليها خلف دكة خشبية مطلية بسواد " الكراصا " .. كانت قيلولته هي " طرح " من " البارتشي " ضد خصم يختاره بعناية , الخاسر فيهما كان عليه تأدية قنينة " كوكاكولا " كبيرة من عند عمر "الشلح " أو كأسا شاي من عند مقهى " الصالحي " . تعود الدراجات في المساء و كانت مهمة أخرى تنتطر الميلودي .. عملية التشحيم و إصلاح أسلاك العجلات المكسورة و أخيرا " تعلاق " كل دراجة في " كانشو " مغروس بقوة في سقف المحل . دار الزمان و أخلى الميلودي المكان , بعدما ظهر " الطاكسي " الصغير و أفلس المشروع الذي لم يجرب " سيكليسنا " غيره . قبل أشهر و في اخر زياراتي للقصر الكبير التقيته صدفة بعدما ناداني من داخل محل صغير لإصلاح الدراجات في حي " سكرينيا " .. نفس الملامح و نفس الوزرة الزرقاء .. و حتى نفس الروح الساخرة من تقلبات الزمن .