يعرف المرحوم محمد بنخليفة مترجمنا محمد بن علي نخشى في كتابه " المجتمع القصري في المنتصف الأول للقرن العشرين أحداث وعادات" صفحة 97 كما يلي ...) كان من فقهاء القصر ومن موظفي مؤسسة الأحباس ونظارتها ، وتولى الخطبة بجامع السدراوي بحومة اسكرينيا ، وتميز بمعرفته الفائقة بالعلوم العربية وآدابها وبولوعه بالموسيقى الأندلسية وانفراده في القصر الكبير وهو سن الشباب بالعزف على آلة الرباب …) وحينما اطلعت صديقا من خارج القصر الكبير على الصورة المصاحبة لهذا البورتريه ، كتب لي ما يلي " لو كان الأمر بيدي، لعينت صاحب الصورة سفيرا للإسلام الحضاري الإسلام المتفتح، "إسلام الأنوار انه المسلم "الجنتلمان" المتفتح على الآخر وعلى الحياة والحب والفن والأدب، المدافع عن فلسفة "العيش معا"، عن احترام قيم الاختلاف والتنوع." انه المرحوم محمد بن علي نخشى تمكن أن يجمع بين الاستقامة والانفتاح ، امتلك القدرة على التمييز بين ما هو إسلامي فالتزمه، وما هو متعارض مع الإسلام فتجنبه، حازمًا مع نفسه ليفرق بين ما يدعوه إليه منطق العقل وبين ما يدعوه إليه واجبه الديني وبين ما يدعوه إليه هواه . كتب عنه ابنه الصديق الأستاذ عبد الإله نخشى : "المرحوم محمد بن علي نخشى: أصالة في الثقافة والتدين وحداثة في الفن والسلوك ولد بالقصرالكبير وتدرج في تعليمه بين الكتاتيب القرآنية فحفظ القرآن الكريم على الشيخ احمد الريسوني والمتون الأخرى على علماء أجلة ،ولما كان كبير إخوته فقد تحمل مسؤوليات الأسرة منذ الوفاة المبكرة لوالده ،فأصبح موظفا بنظارة الأحباس بالقصرالكبير ، وتقلد منصب الخطابة بمسجد مولاي الحسن باسكرينيا وعرف بخطبته المختزلة المركزة المراعية لخصوصيات كل الفئات ،كما اشتهر بدروس الوعظ الديني المقدمة صبيحة كل جمعة بالسجن المحلي لفائدة السجناء ،والتي سألته يوما عن طريقة تقديمها فأكد لي حرصه على اختيار موضوع يلامس وضع المسجون في نصف ساعة ونصف ساعة يخصصها للأسئلة والأجوبة. كان المرحوم أيضا مولعا بالطرب الأندلسي ومرد ذلك إلى تشربه مبادئ الفن من دروس الموسيقى التي كانت تستفيد منها أخته بالبيت من قبل مدرس خاص أحضره القاضي نخشى لهذا الغرض ، ورغم المنع فقد التقطها سمعا وتشربها وطور هوايته فأصبح عازفا ماهرا على مجموعة من الآلات الموسيقية منها:الكورديون ، الرباب ، العود…ودأب على عقد سمر شهري يستقبل فيه أصدقاءه المهوسين بفن الآلة لعزف نوبات تعيد التوازن لأرواحهم الذواقة والتواقة إلى النغم الجميل والشعر الأصيل، ومما تسجله هذه الأمسيات الطربية أن ضيوفا من عالم الأدب كانت تحضرها وتشارك في فعالياتها منهم الأستاذ والشاعر محمد الطنجي الذي اضطره تأخره في الحضور في إحدى الأمسيات و انهماك الأصدقاء في تأدية نوبة العشاق ،إلى الجلوس بباب المنزل لساعة ونصف وبعد ان طرق الباب والتحق بهم ارتجل قصيدة مطلعها: القصر من غنة الأوتار في طرب بأصحاب فن سادة النجب أدووا لفنهم حقا وما فتئوا يجلون عن كل قلب آفة الكرب أبدى المريني ونخشى سر فنهما بخير لحن من الألحان منتخب ومن ولعه الفني وتذوقه للجمال حرصه واهتمامه بالعرصة الكائنة ببلعباس،حيث كان يكثر الجلوس برحابها والاهتمام بها فكانت في فصل الربيع قبلة لكل أفراد العائلة ولكثير من أصدقاءه فيتدارسون ويتناقشون في المواضيع التي تستأثر باهتمامهم ، وما خلت جلساتهم من وصلات موسيقية أو حلقات للمديح النبوي. ومن طرائف هذا الاستمتاع بالفن والجمال أن حدثني الأستاذ محمد بنخليفة –رحمه الله- أنه في خرجة إلى مرجة الشقيفيين ذات مساء ربيعي ،وبعد أن استقرت بهم الجلسة أصر الوالد –رحمه الله-أنها ناقصة ودون طعم فني إلى أن يحضر طائرا مغردا من البيت ،وهو ما تحقق حيث عاد به صاحب السيارة المرحوم الأستاذ عبدالسلام الشرادي إلى دار غيلان وهي أقرب نقطة إلى بيتنا ،وجاؤوا بالطائر الذي أطربهم في خرجتهم الممتعة والمؤنسة. ومما تجدر الأشارة إليه أن المرحوم كان لا يتنازل عن دوره التربوي التعليمي في تحفيظ الأحاديث النبوية والاشعار لكل أبناءه ،ولا يتوانى في ليالي الذكر والمديح التي كانت تقام ببيتنا أو عن عائلات أخرى ،في توجيه المبتدئين وتصحيح أخطائهموحثهم على تكرار المحاولة خاصة في الإنشاد الفردي . رحم الله الوالد وغفر له وألحقه بالصالحين ، آمين"