شاركت مساء يوم الجمعة 16 فبراير في رواق المجلس الوطني لحقوق الإنسان ، بالمعرض الدولي للكتاب و النشر بمدينة الدارالبيضاء ، لحفل التكريم الذي أقامته هذه الأخيرة للأستاذ : محمد السكتاوي، و ذلك بمناسبة الذكرى السبعون لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. و فضلا عن الحضور النوعي و الوازن و الدال لكل أطياف الحركة الحقوقية و السياسية و الجمعوية بالمغرب ، فقد خامرني إحساس غريب يمتزج فيه الانفعال بالفرحة و التأثر بالتفاعل. أجل ، اغرورقت عيناي بالدموع أكثر من مرةو أنا أتأمل صديقي المكرم. و في لمحة البصر ، مرت أمام عيني كثير من المحطات الفارقة التي عشتها بجانب الرجل ، فاعلا أو شاهدا. فمن مدينته الصغيرة المهمشة بشمال المغرب انطلق باحثا عن أفق فكري و سياسي و حقوقي في فضاءات العاصمة الرحبة. و نقش بعصامية و تفان في العمل و حب للوطن و الإنسان اسمه في كل المجالات التي خاض فيها : السياسية ( اليسارية) ، الصحافية و الحقوقية دون نسيان الحقل التعليمي أو البيداغوجي. ابن الشعب هذا ، المكرم في ذلك المساء ، يمتلك قلبا يتسع للجميع خاصة للفقراء و المنبوذين و المحرومين و المظلومين. دائما عندما يختلف يكون اختلافه رحيما لأن الرجل وديع و دمث الأخلاق ، و لا تفارقه الروح المرحة المصحوبة بالقفشات الجميلة. منزله قبلة للأحباب و الأصدقاء ، ثم إنه يبسط ماله على قلته للجميع ، حاتمي النزوع و المسلك. حياة ذ. محمد السكتاوي مليئة بالمواقف الإيجابية و الجادة و المثمرة و المشرفة ، و أكتفي في هذا المقام بذكر البعض منها: – على المستوى الإنساني : بمناسبة أحداث سنة 1984 ، زج بكثير من الشباب الأمي و العاطل في السجن بدعوى قيامهم بإثارة القلاقل و إلحاق خسائر مادية بملك الغير ، بتوجيه من الفاعلين السياسيين اليسارين . و بعد تأكد محمد السكتاوي من الوضع المزري لهؤلاء الشبان الفقراء ، قرر تخصيص و اقتطاع بعض الساعات من وقته يوميا من أجل تعليمهم القراءة و الكتابة و انتشالهم من الجهل و الأمية. -على المستوى السياسي : آمن بالديمقراطية ، بالاختلاف ، و بالتداول على المسؤولية و بإشراك النوع الاجتماعي في كل المحطات ذات الدلالات السياسية القوية ، في إطاراتها النقابية و السياسية و الحقوقية. كما أنه راهن على قوة و دينامية و طموح الشباب و النساء و عمل على تحميلهم المسؤوليةلتحفيزهم و ذلك في كل التنظيمات التي ناضل بها . -على المستوى الحقوقي: فصل بشكل حاسم بين السياسي و الحقوقي و بالتالي ارتقى بالعمل الحقوقي و أعطاه كثيرا من المصداقية نتيجة عمله بموضوعية و حياد، مع نضال مستميت من أجل عالم بدون انتهاكات لحقوق الإنسان. – على المستوى التعليمي و البيداغوجي: تفوق بيداغوجيا في كل الورشات و الندوات التي يؤطرها ، و المحاضرات و الدروس التي لقنها عندما مارس في قطاع التعليم. كان دائما قويا في عملية التواصل ، كما في التلقين ، و يشهد له الجميع بطرقه البيداغوجية الرائعة في هذا الإطار. يحكي صديقي سي محمد السكتاوي على حضوره شاهدا و فاعلا في أفول مغرب و بزوغ آخر . كانت منظمة العفو الدولية بصدد حشد توقيعات من كل الطيف السياسي المغربي و غيره بمناسبة الذكرى الخمسون للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و كانت هذه العملية تحت شعار " تجديد العهد". و كان الوزير الأول أنذاك قد وقع وكذا الوزراء و قادة الأحزاب السياسية و النقابية… و طلب صديقي من وزير الداخلية القوي أنذاك و الغير المأسوف عليه : إدريس البصري ، توقيعه هو الآخر ، فما كان من هذا الأخير إلا أن تعلل و اعدا مناضلي م.ع.د.بتوقيعه في اليوم التالي . و صباح ذلك اليوم طالبه صديقي ذ. محمد السكتاوي ، من جديد ، بالتوقيع الذي وعدهم به . مسك القلم ليوقع ، لم يستطيع ، رماه و خرج من مكتبه مذعورا رافضا التوقيع. و كانت هذه الواقعة ، إعلان بنهاية الرجل و المغرب الذي يرمز إليه و بزوغ و ظهور مغرب آخر. و إذن ، كان سي محمد شاهدا و فاعلا في هذه الواقعة التي تحتاج في قراءتها لاختصاصيين . صديقي العزيز سي محمد السكتاوي مفرد بصيغة الجمع. إنه قيمة وطنية و نتاج المغرب العميق. إنه قدوة و نبراس يقتدى.