غادرنا إلى دار البقاء يوم 16 أكتوبر من السنة الماضية، أحد رموز الكفاح التحرري ضد الاستعمار على المستوى العربي والمغاربي، وهو المرحوم المقاوم العقيد الهاشمي الطود، الذي شكل رحيله حدثا بارزا ، على في مسقط رأسه مدينة القصر الكبير وعلى المستوى الوطني والدولي. لسنا هنا في معرض ذكر مناقب الفقيد المقاوم، ولا التذكير بمساره النضالي الطويل في المغرب وخارجه، ومواقفه الشجاعة في كل القضايا المرتبطة بالوحدة المغاربية ومقاومة الاستعمار، سواء كان أجنبيا أو عبر بقاياه من أذنابه الذين عاشوا بيننا كثيرا وربما لازالوا يخدمونه بصيغة أو بأخرى إلى اليوم. المقاوم الهاشمي الطود الذي بقدر ما كان ذاكرة حية تمشي على قدمين، بقدر ما كان يحاول الابتعاد ما أمكن عن الأضواء، ورفض الاستسلام لإغراءات السلطة و المال، وهو الذي عايش أجيالا من المسؤولين المدنيين والعسكريين مغاربيا وعربيا، وكان بإمكانه أن يعيش كما عاش كثيرون في رغد المناصب وبريقها، لكن الرجل ظل ثابتا محافظا على مواقفه مناضلا من أجلها، متأثرا بذلك من نشأته في وسط عائلي سمته المقاومة والنضال من أجل بناء الوطن. بعد رحيل المقاوم الهاشمي الطود خلال السنة الماضية، تشكلت لجنة من فعاليات المجتمع المدني بمدينة القصر الكبير، أخذت على عاتقها إقامة ليلة تأبينية إكراما لروح هذا الرمز النضالي. ليلة كانت بشهادة الجميع تليق بمقام الفقيد، ألقيت فيها كلمات من طرف عائلته ومقربيه والمجايلين له، وكانت بحق ليلة الوفاء كما تمت تسميتها. وكان من أبرز ما طرح في هذه الليلة، توصيات هدفها تخليد هذا الرمز على واجهات متعددة، رغبة في تكريس ثقافة الاعتراف بإنجازات رموز الكفاح التحرري ضد الاستعمار. تضمنت هذه التوصيات نشر مذكرات الفقيد باعتبارها جزءا من الذاكرة الوطنية، ومؤسسة تحمل اسم المقاوم العقيد الهاشمي الطود، تكون محضنا لأرشيفه الوثائقي الشخصي وفضاء بحثيا للدارسين والباحثين في التاريخ المعاصر للمغرب الكبير، ومنطلقا لمبادرات فكرية في هذا الاتجاه، إضافة إلى صياغة مذكرة مطلبية لإطلاق اسمه على أحد الفضاءات العمومية. هذه التوصيات كان الهدف منها إعادة الاعتبار لهذا الرمز النضالي الوطني، وجعل حدث وفاته بمثابة نقطة انبعاث جديدة لفكره النضالي ومواقفه النبيلة دفاعا عن الدول المغاربية والعربية التي عانت من نير الاستعمار. لقد اجتهد الاستعمار وخدامه في محاصرة نضالات الهاشمي الطود، وحاولوا جاهدين ضرب طوق متين حول أفكاره التحررية، وظل المقاوم العقيد صامدا، وإكراما لروح الفقيد وإخلاصا لأفكاره، فمن واجبنا التساؤل عما قمنا به لتفعيل هذه التوصيات، حتى نكون أوفياء لما عاهدنا به الفقيد في ليلة الوفاء.