منذ أن خبرت أحوال المعطي وجدت ذاتي فيه وأصبحت جازما انه يجب إدخالنا جميعا إلى أقسام العناية المركزة ومن بعدها عرضنا واحدا واحدا على أطباء نفسانيين من الدول الاسكندنافية ، ذاك أن المعطي الملفوف بالعناية الربانية يشتكي دوما من الأزمة المادية وعدم القدرة على مواكبة " الزمان " إلا أن أحواله تظهر للعيان جيدة وطاقته الجسمية حسنة . عام بإثني عشر شهرا ثلثاه مواسم، منذ أن يهلل شهر شعبان الأغر والمعطي يردد بلسانه الرطب " مبروك العواشر " ويده في جيبه لا يبرحه ، رمضان بشهيواته وحريرته ، وعيد الفطر بحلوياته وألبسته ، والعطلة الصيفية بسفرها وبحرها ، فعيد الأضحى بخروفه وفحمه ، والدخول المدرسي بمحفظته ومعداتها ، ثم العاشور بفواكه الجافة ولعبه وشباكيته ، فالمولد النبوي بلياليه ودجاجه ، والثلث الباقي من السنة يقضيه راضيا مرضيا بين عرس وخطوبة وعقيقة وختان وزيارة ابن خالته بالناظور . المعطي رغم كل هذه المعاناة الحلوة يجلس كل مساء بمقهاه المعتادة في نفس المكان وبنفس الهيأة ورائحة العرق لا تفارق إبطيه فيصير محللا متمكنا ، فهو يدري جيدا لعبة كرة القدم وخططها ومدربيها ومستجدات أخبار انتقال نجومها من نادي إلى آخر بملايير الدولارات ، يناقش بثقة عالية سياسة ترامب الدولية ، يعرف جيدا الخيوط الدقيقة لأزمة قطر مع دول الخليج ووقت انفراجها بالتحديد ، يحتفظ بأسرار دولة لرئيس كوريا الشمالية وكأنه قضى معه بالأمس سهرة خاصة ، متمكن من معرفة أسباب آلام العظام والمفاصل والأسنان والشقيقة وبوزلوم،خبير بالعشرة الزوجية على منهاج النبوة،لايهوى الاستماع إلى هيفاء ويعشق صوت عجرم ، يتقن الحديث عن تفاصيل ظهور وجه محمد الخامس بالقمر منذ أزيد عن ستين عاما وإذا سألته عن عمره ألفيته ابن الخمسين .