في مدينتي .. لم أشهد خطبة .. اشتدّ فيها انتباه المصلّين .. و ارتفعت فيها مستويات الادرنالين و الكورتيزول .. كتلك الخطبة .. التي تحدّث فيها إمامنا .. عن البنطلونات القصيرة و البنطلونات الضيقة التي تلبسها بناتنا .. و الله .. التفتّ .. فلم أر .. وجها ناعسا .. و لا شيخا تائها .. و لا شابّا شاردا .. لقد اعتدل الجميعُ في جلستهم .. و شحذ الكلّ انتباههم .. و أصبحت العضلات الخاملة في آذان البشر .. فعّالة فجأة .. تخيّلوا قطّا يحاول أن يختلس السمع .. لقد أصبح المسجدُ فجأة شعلة من نشاط .. و كنتُ قد رأيتُ حقيقة : الانتباه و الغضب في وجوه الحاضرين .. و كلّما ذكر الإمام كلمة " بنطلون قصير " .. " بنطلون ضيق " .. إلا رأيت المسجد يضجّ صامتا .. لا ادري كيف أصف الأمر .. لكنّ المسجد أصبح حيّا . غاضبا و صامتا .. كانت تلك الخطبة الوحيدة خلال حياتي .. التي شاهدت فيها مسجدا حيّا .. خطبة أخرى .. رأيته فيه ميّتا .. جثة هادمة .. حين حدّثنا نفس الإمام .. في نفس المسجد .. في ظهيرة يوم صيفي .. عن فنّ العمارة الإسلامي .. و الامر يذكّرني .. لا ادري لماذا .. بقصدية ميخائيل نعيمة .. يخاطبُ فيها نهرا متجمدا : يا نهرُ هل نضبتْ مياهُكَ فانقطعتَ عن الخرير ؟ أم قد هَرِمْتَ وخار عزمُكَ فانثنيتَ عن المسير ؟ و مسجدنا يشبه النهر .. متجمّد دوما .. و حيّ عندما تنعشه الكلمات المناسبة .. القصّة حقيقية .. مع بعض المبالغات اللفظية ..