يقول الامام ابن القيم الجوزية في حق العلماء والفقهاء (من دارت الفُتيا على أقوالهم بين الأنام ، الذين خُصّوا باستنباط الأحكام ، وعُنوا بضبط قواعد الحلال والحرام ، فهم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء ، بهم يهتدي الحيران في الظلماء ، وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب ) لعل هذه الاوصاف انطبقت على مترجمنا سيدي عبد الله الجباري رحمه الله ، احد العلماء الاجلاء ، الذين لهم فضل على اجيال تخرجت من تحت يديه ، في بحثي عن تعريف به ، لم يبخل حفيده الصديق عبد الله الجباري الذي مدني بهذا التعريف : هو الفقيه العلامة الشيخ الجليل المفتي المحقق سيدي عبدالله الجباري بن محمد بن إدريس الجباري القصري ولد بالقصر الكبير بحومة النيارين بعدوة الشريعة سنة 1318 هجرية الموافق لسنة 1901 ميلادية.. و في سن مبكرة و هو لا يتجاوز التاسعة من عمره حفظ القرآن الكريم حفظا متقنا على يد الفقيه سيدي عبدالسلام التطواني و على عمه الفقيه سيدي عبدالسلام الجباري و على الفقيه البركة سيدي محمد بن الطاهر الجباري ، ثم انتقل إلى حفظ المصنفات نذكر منها المرشد المعين و ألفية ابن مالك و بعض من الكافية و الأجرومية و الخزرجية و السلم الأخضر في علم المنطق ثم شرع في دراسة اللغة العربية و الفقه على يد الفقيه سيدي أحمد مومن و الفقيه الحاج الحسن السوسي و مختصر الشيخ خليل على يد عمه الفقيه سيدي عبدالسلام الجباري.. و بعد ذلك توجه إلى مدينة فاس قاصدا جامعة القرويين و هو لم يتجاوز الثامن عشر من عمره فانكب على الدرس و التحصيل على أجلة مشايخ الوقت بالقرويين من بينهم: مولاي عبدالله التكناوتي و سيدي عبدالله الفضيلي و العلامة سيدي الطايع بلحاج و سيدي محمد العلمي و العلامة سيدي محمد أقصبي و العلامة سيدي محمد بناني و صاحب كتاب الابتهاج العلامة مولاي أحمد البلغيتي و العلامة الشهير الشيخ أبو شعيب الدكالي و الشيخ الأكبر الذي أخد عنه الكثير و صاحبه خلال الفترة التي قضاها بفاس هو العالم الجليل سيدي محمد الراضي السنني و هو الذي أعطى له السند المتصل بالبخاري إلى رسول الله صل الله عليه وسلم.. ذكرت هذا بإيجاز نظرا لضيق المقام عن إطالة الكلام و هؤلاء السادة الكرام كلهم اجازوه شفاهة و كتابة في كل ما درس عنهم و ما لم يدرس إجازة عامة و مطلقة و ذلك سنة 1351 و من الرفقاء الذين كانوا يدرسون معه نذكر منهم : سيدي محمد داوود و السيد بوشتى الجامعي و السيد الطنجي و السيد علال الفاسي و السيد عبدالخالق الطريس سيدي محمد الدردب الذي كان يشغل قاضي قضاة مدينة تطوان و سيدي أحمد بنتاوت و سيدي بوكر جسوس و سيدي محمد بنعجيبة و سيدي جواد الصقلي و سيدي التهامي الوزاني و سيدي أبو بكر الشامي و هؤلاء السادة من فاس و تطوان.. و في تلك السنة 1351 هي السنة التي عاد فيها إلى موطنه القصر الكبير حاملا معه مشعل العلم و الثقافة بغية نشرها في مدينته المجاهدة.. و ما أن وصل خبر وصوله إلى الطلبة حتى جاؤوا يهنئونه بالعودة و طلبوا منه أن يفتتح معهم دروسا في بعض المواد الفقهية و اللغوية و حتى بعض العلوم العقلية كالمنطق.. و بقي على هذا الحال إلى أن أسس فرع للقرويين بالقصر فعين به أستاذا رفقة العلامة سيدي عبدالسلام الجباري و العلامة سيدي المفضل الجباري و الفقيه الحاج علال بوسلهام الزرهوني بالمسجد الأعظم.. و في نفس السنة 1932 الموافق لسنة 1351 تقدم بطلب المشاركة في سلك العدالة ، فعقد الإمتحان بتطوان و أصبح يتمتع بصفته عدلا بنظارة الأحباس بالقصر الكبير . كما شارك في امتحان الولوج لسلك الإفتاء و أصبح مفتيا شرعيا.. و بقي على هذا الحال إلى أن دخل التنظيم فبدأ يدرس بالمعهد الديني الذي كان يحج إليه العديد من الطلبة من مدن اخرى بالإضافة إلى نواحي المدينة مثل قبيلة بني يسف و أهل سريف.. حيث كان هناك فراغ ثقافي في المدينة و لم تكن لا ثانوية دينية مهتمة بالعلوم الفقهية و اللغوية بل كانت سوى المدرسة الأهلية الحسنية و المدرسة القرآنية الموجودة بالقرب من المسجد الأعظم و مدرسة سيدي أبو أحمد و مدرسة اليهود ( بنشبروط للا فاطمة الأندلسية حاليا ) و groupo scolar مدرسة إبن خلدون حاليا فكانت لهم صبغة إسبانية استعمارية.. مما جعل الطلبة يحجون إلى المعهد الدين بكثرة.. فقال عنه الأستاذ محمد بن عبدالرحمن بنخليفة في كتابه المجتمع القصري في المنتصف الأول من القرن العشرين أحداث و عادات " و من فقهاء الأسرة الجبارية السيد عبدالله الجباري فقيه عالم تولى العدالة في وزارة الأحباس بعد تخرجه من القرويين بفاس و عمل أستاذا بالمعهد الديني بالقصر و تميز بتواضعه و اندماجه في مجتمعه و باشتغاله بالفلاحة و باكرامه للطلبة و لمن يرد عليه من العلماء من فاس و تطوان و الرباط ، و كان صديقا للعالم الرباطي السيد عبدالله الجيراري إذ كثيرا ما كان يزوره في القصر و يقيم عنه و له مكتبة علم و فقه و عربية " إنتهى كما ذكره صديقه العالم و الفقيه التطواني الشهير المؤرخ سيدي محمد داوود في كتابه عائلات تطوانية عندما وصل إلى حرف الجيم فتحدت عن عائلة الجباري بتطوان و طنجة و أصيلة و العرائش و لما وصل إلى القصر الكبير قال و لنا بالقصر الكبير صديقا عالما و هو سيدي عبدالله الجباري . إنتهى و ايضا ذكره الشريف الأستاذ العربي العسري في كتابه أعلام و أقلام في جزئه الأول .. كما ذكره الأستاذ المقتدر سيدي عبدالرحمن الروسي و هو من الطلبة الذين تخرجوا على يده في كتابه ورقات من مذكرات الحاج عبدالرحمن الروسي و ايضا ذكره ذ الخضر عبدالسلام الجباري في كتابه تيسير الباري في ثبوت النسبة النبوية الشريفة لأولاد الجباري .. و في سنة 1971 أحيل على التقاعد ليتفرغ بعد ذلك إلى الوعظ و الارشاد الذي كلف به من طرف المجلس العلمي بتطوان كما كان من مؤسسي رابطة علماء المغرب الذي كان يترأسها آنذاك الأستاذ عبدالله كنون.. و قد تخرج على يده الجم الغفير من الطلبة و كان له دور كبير في تكوين أبناء هذه المدينة التي تزخر بالعديد من الشخصيات البارزة و الأطر المثقفة ممن تزخر بهم دواليب الدولة المغربية في التعليم و الإدارة و القضاء و غيرها و نذكر منهم : نجله العلامة سيدي محمد الجباري و بعض أبناء عمومته ثم العلامة سيدي عبدالسلام نخشى و اخوه العلامة سيدي محمد نخشى و العلامة سيدي إدريس الطود و اخوه العلامة سيدي عبدالقادر الطود و العلامة سيدي عبدالسلام اطريبق و العلامة سيدي مصطفى اليعقوبي و القاضي سيدي محمد بن عبدالقادر نخشى و العلامة سيدي عبدالقادر الساحلي و العلامة السيقال و العلامة سيدي الأمين الروسي و أخوه الأستاذ سيدي عبدالرحمن و العلامة سي امويح و العلامة سيدي عبدالقادر ويا و العلامة سيدي بوسلهام العسري والعلامة سيدي عبدالسلام القيسي و العديد من الطلبة الآخرين… و هكذا بعد حياة حافلة بالعطاء الجاد و نكران الذات و في ليلة الأربعاء يومه 14 رجب من سنة 1411 الموافق ل 30 يناير سنة 1991 التحق بالرفيق الأعلى تاركا وراءه السمعة الطيبة و السلوك الإنساني الراقي بتواضعه و طيبوبته و نبل الأخلاق و عطفه على الفقراء و المساكين.. رحمه الله و اسكنه فسيح جنانه