كومة من الأفكار الحارقة توشك أن تتطاير من ذهنه.. أحاسيس متناقضة تخالج نفسيته الهشة.. إنه"فريد"، الأجير الذي طرد من عمله بمصنع الأحذية. فقد أصيب المسكين بكسر في رجله بعد سقوطه من دراجته الهوائية. وسيلة نقله الخاصة إلى المصنع الوحيد المتواجد بأطراف المدينة. لقد كان لزاما عليه أن يعبر القنطرة الضيقة ذهابا وإيابا بأقصى سرعة ممكنة حتى يصل لعمله في الوقت المحدد. وفي كل مرة كانت تزاحمه الشاحنات أو السيارات، كان يفلت بأعجوبة من ذاك المعبر الرهيب. لكن في هذه المرة لم تسلم محاولة عبوره، وتبخرت كل أحلامه التي نسجها في مخيلته، فقد كانت الشاحنة اللعينة التي فشل في مراوغتها أكبر من أحلامه، وكانت سببا في تشريده من عمله. "فريد"الذي يصفه زملاؤه وأصدقاؤه بالوديع ذي الطباع المتزنة، يعيش حالة احتقان لم يعشها قط من ذي قبل، فلديه اليوم رغبة ملحة في الصراخ بأقصى ما أوتي من نبرة وقوة. بعد طول تفكير وتأمل، قرر أن لا يستسلم لبركان الغضب الذي يوشك أن ينفجر. فكر ثم دبر.. فقرر أن يعبر عن ما يخالجه كتابة. لكن في هذه المرة لن يكتب بحبر أسود، سيختار لكلماته لونا أبيضا. أخذ قطعة كبيرة من قماش أسود، خط فيها بخط بارز وبلون ناصع البياض "20 فبراير".. ثم ترك الحبر الأبيض ليجف إلى حين.