عندما أقرأ بعض الكتابات و التدوينات على الفضاء الأزرق، ينتقد فيها أصحابها المؤسسات التعليمية و العاملين بها من أطر إدارية و تربوية، و يحملونها مسؤولية فشل المنظومة التربوية في أداء وظيفتها الأساسية، المتمتلة في إعداد فرد صالح متعلم، و متشبع بالقيم الدينية و الوطنية و الإنسانية… يتبادر إلى ذهني كتاب قرأته مؤخرا، "مجتمع بدون مدارس" لمؤلفه Ivan Illich. الكتاب كان قد أثار جدلا واسعا أثناء صدوره، حيث هاجم فيه Illich بشدة المدرسة و التمدرس بشكليه التقليدي و الحديث. كما انتقد إلزامية التعليم، معتبرا تكديس الأطفال في المدارس أمرا متجاوزا في العصر الحديث، داعيا في الآن ذاته إلى قيام مجتمعات بدون مدارس. إنه يطرح علينا السؤال التالي: أين تعلمنا جل ما نعرفه الآن؟ إن الجزء الأكبر من المعلومات و المعارف التي تعلمناها اكتسبناها خارج جدران المدارس، بالاحتكاك بالواقع الذي نعيشه و بالتجربة والممارسة في جو من الحرية و الانفتاح، وعدم الإكراه و السلطة. صحيح أن المدرسة لم تعد المصدر الوحيد للمعرفة، خصوصا مع التطور التكنولوجي السريع و الانتشار الكبير لوسائل الاتصال الحديثة، لكننا لا يمكن أن ننكر أن المدرسة هي الفضاء الوحيد الذي يوفر نظاما تعليميا مؤسسا، ينبني على برامج و أهداف واضحة و محددة، تسهر على تطبيقها و تنفيذها أطر مكونة و مؤهلة. ثم لنطرح بدورنا السؤال الآتي: هل المجتمع الذي ننتمي إليه مؤهل لتعويض دور المؤسسة و الاضطلاع بمهامها، و الحديث عن المجتمع هنا يمتد إلى الأسرة و الشارع و الإعلام و غير ذلك.. ما هو حال أسرنا اليوم، و ما هي المكانة التي يحتلها التعليم ضمن اهتمامات الآباء و الأمهات؟؟ ما هي القيم السائدة في الشارع، هل نستطيع أن نحمي أبناءنا من بعض الظواهر السلبية المتفشية في مجتمعنا كالعنف و الانحراف و الادمان؟؟ ما هو مستوى رضانا على أداء قنواتنا الإعلامية، ما هي الرسائل التي توجهها هذه القنوات؟؟ الأكيد أن مجرد محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة ستجعلنا نجزم لا محالة أن تطبيق هذه النظرية سابق لأوانه، و أننا مدعوون أكثر من أي وقت مضى للوقوف إلى جانب المدرسة. انتقاد المدرسة بالشكل الذي يمارسه أغلب المهتمين اليوم من شأنه أن يضعف دورها في المجتمع، و يحط من قيمتها، و يحبط العاملين بها. فقوة المجتمع و تماسكه في قوة مؤسساته التعليمية، و جودة الخدمات المقدمة من طرفها.