أجمع المنجمون وإن تفرقوا في كل المواقع المفترضة في " النت " على أن برجي ( الثور ) لسنة 2017 سيكون مليئا بالمكاسب – وإن كانت بعض المكاسب حسب رأيي خسران- ، وسأعرف عند مطلع كل يوم جديد مفاجأة سارة، وستذاع شهرتي في كل الأصقاع وتصغي لكل طلباتي الأسماع، ولسوف أهز وأرفع وعلى الرؤوس أوضع. لكني لما راجعت عقلي واستشرفت لي مستقبلي؛ حسب ما عندي وما يمكن في أقصى الحدود المتوقعة في الخيال أن يتحقق لي، استخلصت أنه بالفعل لي طموحاتي كباقي البشر لكني أعرف أن المسالك المفضية إليها ضيقة جدا لن تعبرها نملة ولو كانت نحيلة جدا، وأن جهدي على قدر وظيفتي التي لا تسمن ولا تغني عن إدمان الاقتراض الذي يعرف جيدا من أين تؤكل الجيوب. ولن أرث أحد أقاربي بعد عمر طويل فكلهم قد خلفوا ذكورا أحياء يرزقون.. وصحتي على قدر أكلي الناقص من الفيتامينات فلن أتمكن مطلقا من الفوز في أي منافسة تتطلب قدرة عضلية تفوق قدرات جميع المتبارين، ولا أجيد فن الغناء لأن صوتي مبحوح خلقة، ولا كنت في إحدى الأيام من لاعبي القمار، ولا أنوي الترشح أبدا في قائمة حزب من الأحزاب ولو أصبح لكل مواطن حزب خاص به، فكيف يمكن للثور أن يفك عقاله، ويرفس كل هذه الضوابط، ويقفز فوق كل هذه المعيقات؟ . خسئتم أيها المنجمون فلا علم لكم إلا بطرق مداعبة خيال المحرومين أمثالي؛ بأحلام واهمة تجعلنا نكمل مشوار حياتنا؛ خاضعين خانعين لكل الأشكال التي قد تحط من قدرنا الإنساني، على أمل رؤية غد مشرق ينير قبو أيامنا الحالكة، وإن كنا نعرف جيدا أن ذلك لن يحدث معنا إطلاقا، ولكننا نتواطأ مع كل من نبأنا بخير أو دعا لنا دعوة بالستر وعدم الموت عراة على قارعة الطريق كما تموت الكلاب الضالة. نحن لا نؤمن إلا بالصبر مفتاحا نقفل به بوابة النعيم، ونطمر طموحاتنا على صغر حجمها في عوالمنا السفلية ونركع مستسلمين للعوز. بالأمس القريب باع جارنا (الفلاح ) محمد فأسه بعدما باع فراش البيت وسرح زوجته، وبعد ذلك مات جوعا ولم يطرق باب الاستجداء. وفي يوم سابق أيضا انتحر الموظف هربا من الديون وظل دفنه معلقا حتى تستخلص ديونه بفوائدها وبآثار رجعية. وكل ما يقوله أي منجم أو منجمة أو هما معا كذب في كذب ولو صادف قولهما حقيقة كان مقدرا لها أن تكون. لكن أغرب ما حدث في هذا الشأن هو ما حصل مع " عمي إدريس " الذي كان طريحا في المارستان على إثر دخوله في إكتآب مزمن كما لو قد شمر وتوضأ وصلى تقربا للجنون ، ونذر للرحمان صوما ولم يعد يكلم إنسيا. لكن، وبعدما عاده عدل قضائي وبشره بإرث عظيم من عم – غير معروف لديه – أعزب غارق في نعم العقارات، انقشع عنه الاكتئاب وتوهج وجهه، ولما تأكد من صدق أقوال العدل وقف على سرير مرضه وصاح: -ها قد زهق الفقر وظهر الغنى. سأسدد كل ديوني،وسأمر من تحت بوابة النصر وأصعد برج "إفيل" سأعيش حياتي ضحكا وهزلا. هللت الممرضة وطارت لتبليغ الخبر المفاجئ لجميع الأطباء المشرفين على المارستان فجاءوا مسرعين بشوشين مهنئين مباركين ل " عمي إدريس " الشفاء العاجل والغنى الوافر، وبدأوا بالتودد والتقرب له، فبلغ الحد بأحدهم أن عرض نفسه طبيبا خاصا له، وآخر تزويجه ابنته الشقراء . لكن" عمي إدريس " تنخم الدواء وبزقه على فراش مرضه ثم عانق العدل حتى خرجت روحه.