يتناسل آخر الليل مع نور الصباح فينجب يوما آخر ، على إثر ذلك أنهض من النوم بعدما تداعب جفوني أصابع اليقظة لأواجه روتينا مستمرا ، أقصد المسجد فأجده مكتظا بالمصلين الذين يرتدون قمصانا بيضاء ويتحلون بالأخلاق العلا ، أغادره بعدما يُسلِّم الإمام لأعود للمنزل كي أحل مكعب روبيك أكثر من مرة محاولا استباق عقارب الساعة التي تتحرك معلنة عن تقدم الوقت ، أضع ذاك المكعب و أحمل قيثارتي لأداعب أوتارها قليلا ثم أفتح رواية كي أغوص بين سطورها إلى أن تبدأ رائحة الحريرة بمداعبة أنفى ، تدخل أمي الغرفة كي تطلب منى ما أريد أن تطهوه لي ، أجيبها كما العادة " لي كان " ثم أستمر في تقليب صفحات الرواية ، يؤذن المؤذن فأذهب للمسجد كي أنصت لدرس اليوم قبل أن تقام الصلاة .. بعدها يخلد بعض المصلين للنوم بينما يحمل آخرون مصاحف كي يكملوا قراءة حزبهم ، أعود للمنزل ولا أخرجه إلا حين أذان صلاة المغرب ، أتناول فطوري و أتجه على عجل للمقهى بعد أن احمل كتابا وقلم .. معظم رواد المقهى في تلك الفترة هم المدخنون ، يحرقون السيجارة تلوى الأخرى بلا كلل .. وبين الفينة و الأخرى يطلب منى أحدهم ولاعة وهو يضع سيجارة ماركيز على شفتيه ، يرحل وهو يرفع أصبع الإبهام بعدما أخبره بأني لا أدخن ، أستمر في القراءة إلى أن تبدأ حركة المصلين تدب وهم يتأبطون سجاداتهم و يحملون قنينة ماء صغيرة ، أنتظر دقائق قبل أن يأذن المؤذن ثم أترك المقهى و أتجد للمسجد لأجده مكتظا عن آخره ، أطفال يقهقهون هناك ورجل يدعوهم للسكوت وهو يُقطِّبُ حاجبيه .. عجوز يأمر بإطفاء المكيف و آخر يشتكى من الحر ويطلب بقاءه يعمل ، شخص ينادي بإشعال الأضواء الخلفية و أخر يطلب بقائها منطفئة كونها تجلب الحرارة .. تبدأ المناوشات وتتلاشي مع تكبيرة الإحرام ، بين ركعتين و أخرى يملأ أحدهم كوب ماء ويرتشف قليلا ثم يمد للشخص الجالس بجواره كي يروي ظمأه ، يستغِّل الجالس بجانبي الفرصة فيتدخل كي يصحح لي طريقة الركوع ويدعوني كي أقطب أصابعي جيدا ، أشكره و أنهض كي ألحق بالمصلين … يخطأ الإمام فتتعالى صيحات المصححين من جميع أركان المسجد مشكلة ضجيجا غالبا لا يفقه منه الإمام شيئا .. تبقى ركعتين لأجد بأن المسجد أصبح فارغا .. وحين يسلِّم الإمام معلنا انتهاء التراويح تجد أحدهم يهمهم بصوت مرتفع كون أحدهم استبدل حذاءه معه .. يبدأ المصلين بحثه على العودة في الفجر بينما هو يجيبهم " الخليفة على الله " حذائي جديد وهذا قديم ثم ينصرف غاضبا .. أخرج من المسجد و أعود للمقهى كي أكتب يومياتي قبل أن أنصرف للمنزل جامعا أوراقي متأبطا كتابي …