منذ ظهور أول دستور في التاريخ شريعة حمو رابي في الحضارة البابلية قبل الميلاد،والقوانين تتطور و تتغير مع مرور الزمن،لكنها تترسخ و توثن بل تقدس وتعبد، لحقبة زمنية طويلة نسبيا قبل أن تنتهي مدة صلاحيتها و يملها الجمهور و يستهلكها أقوام آخرون.القاسم المشترك بين معظم القوانين والدساتير أن الأهداف منها لا تتغير كثيرا،وغالبا ما تشرع من أجل إحقاق العدالة بين الأفراد، والمساواة بين الفئات والطبقات وبين الحاكم والمحكوم، والاستقرار الأمني للبلاد الذي يعتبر أول وظيفة في مفهوم الدولة ؛حتى تدوم شرعيتها ما أمكن من الزمن.ولو درسنا كتاب التاريخ بشكل موضوعي، ولو دراسة سطحية، لما وجدنا في صفحاته إلا فقرات قليلة تتحدث عن مجتمعات تحققت فيها العدالة الاجتماعية بشكل من الأشكال . وغالبا ما كانت هته الفترات القصيرة تلي بعثة نبي في قوم أو اندلاع حروب دامية، يتعلم منها الإنسان قيمة الحياة، أو انتشار ثورات شعبية مقرونة بوعي مجتمعي، مثل ما يحدث حاليا في البلدان العربية، ولو أنها فقط بداية لنهاية أنظمة الاستبداد.ولنكون أكثر دقة، فيمكن القول بأنه لم تكن هناك عدالة اجتماعية قط، ولكن كانت هناك محاولات لصياغة دستور أو شريعة تحكم بما يرضي الجميع أو أكتر الناس.ولعل شريعة النبي محمد صلى الله عليه و سلم، كانت أفضل شريعة تجلت فيها العدالة الاجتماعية.ورغم أن الفكرة التي جاء بها النبي محمد المؤيد بالوحي، سرعان ما تلاشت في المجتمع، إلا أنها ضلت و ستضل راسخة في قلوب و عقول القليل من الصالحين، والله متم نوره ولو كره الكافرون.فلم يكن تلاشيها لعيب يشوبها، بل للطبيعة البشرية التي تتسم بالظلم والجهل، إنه كان ظلوما جهولا. إن مايعيشه العربي اليوم في بلده ، من ظلم واستبداد و محسوبية و طبقية واحتقار لقيمة الإنسان،ليس بسبب القوانين الجائرة المفروضة عليه فقط ،بل إن السبب الرئيسي في ذلك جهله و سكوته عن الظلم و خضوعه.يتساءل آتين لابواسييه في مقالته المشهورة ... »:العبودية المختارة فيقول فأما الآن فلست أبتغي شيئاً إلا أن أفهم كيف أمكن هذا العدد من الناس، من البلدان، من المدن، من الأمم أن يحتملوا أحياناً طاغية واحداً لا يملك من السلطان إلا ما أعطوه،ولا من القدرة على الأذى إلا بقدر احتمالهم الأذى منه،ولا كان يستطيع « إنزال الشر بهم لولا إيثارهم الصبر عليه بدل مواجهته؟ إنه الخوف والطمع، خوف العامة من الناس من بطش الإنسان الضعيف:الطاغية .وطمع الخاصة من منهم من المقربين له لاعقي الأرجل، الذين يبطش بيدهم،طمعهم في المال والسلطة. إن الطاغية في أي بلد، إنسان ضعيف لا يتوجب على الشعب محاربته و .هزيمته،فهو مهزوم بعدم طاعتهم له إن القوانين مهما تطورت فإنها قد لا ترضي الكل وكذليل على ذلك أن الديمقراطية بحد ذاتها ،التي تعتبر آخر صيغة توصل إليها الإنسان المعاصر،إنما هي تعبير عن إرادة الأغلبية و ليس الكل وأنه توجب على الكل القبول برأي الأغلبية والخضوع له.فقد يبدوا أنه من العدل أن يقسم التراب في الأنظمة الديمقراطية بين الأحزاب ليحكم كل بطريقته،حتى لا يعيش أي مواطن تحت حكم نظام لا يؤمن به ولا يقبله ولا يرى فيه العدل. وبذلك فإن الصيغة التي تحكم مهما تطورت فلن تنال رضاء الكل. وما يبقى للإنسان أن يطوره هو وعيه وقناعاته؛وعيه بحقوقه وواجباته في المجتمع،وعيه باختلاف الآراء و ضرورة احترامها،ووعيه بقيمة الإنسان الذي كرمه الله .وكرامته بالعقل.وبذلك يستطيع الإنسان أن ينال حريته