كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن القرار الذي اتخذته اللجنة المركزية لحزب الاستقلال، والقاضي بالانسحاب من الائتلاف الأغلبي المكون للحكومة، الذي يرأسه أمين عام حزب العدالة والتنمية والذي أوصلته صناديق الاقتراع إلى سدة السلطة. وكمتتبع للشأن العام في بلادنا، فقد قرأت بتمعن بلاغ حزب الاستقلال الشهير الذي ربط بين قرار الانسحاب من الحكومة وبين طلب التحكيم الملكي استنادا للفصل 42 من الدستور حصريا. دون الإشارة ولو على سبيل الاستئناس إلى فصول أخرى من الدستور، كالفصل 47 أو الفصل 104، والذين قد يبدوان أقرب للحالة الراهنة، وللأزمة السياسية التي خلقها هذا القرار المفاجئ لحزب له تاريخ نضالي عريق لا يمكن القفز عليه بكل حال من الأحوال. وقد تم التداول لسيناريوهات متعددة، ولمسالك كثيرة للأزمة الحكومية الحالية، منها ما يستند لمُصوّغات دستورية، ومنها ما هو مجرد تصريف لمواقف برغماتية حزبية كإجراء تعديل حكومي، غايته الزيادة في عدد الحقائب الوزارية إرضاء لهذا أو ذاك. أو منها ما يذهب أبعد من ذلك ويعتبر الحكومة الحالية قد انتهت دستوريا بإعلان حزب الاستقلال نيته الانسحاب منها، وهي الآن مجرد حكومة تصريف أعمال ليس إلا. وهذا السيناريو الأخير ينم عن جهل عميق بالمقتضيات الدستورية، فحكومة تصريف الأعمال تترتب عن استقالة رئيس الحكومة وإعفاء هذه الأخيرة من لدن الملك، وتواصل الحكومة المنتهية مهامها تصريف الأمور الجارية إلى غاية تشكيل الحكومة الجديدة (الفقرتين الأخيرتين من الفصل 47). لكن المؤكد أن الجميع يتفق على أن البلاد دخلت منذ شهر ماي الأخير في حالة من الانتظار والترقب لما ستأول إليه الأمور. فأمين عام حزب الاستقلال ينتظر التحكيم الملكي للخروج من الأزمة التي خلفها قراره، في مقابل استمرار تجاهل أمين عام حزب العدالة والتنمية الذي يرأس الحكومة لمطالب شريكه الرئيسي في الائتلاف الحكومي، بغض النظر عن شرعية هذه المطالب من عدمها. وهناك سيناريو قد يبدو بعيد التحقق وغير ذي موضوع في الظرفية السياسية الراهنة، لكن مسبباته قائمة، خاصة أن دور الأحزاب السياسية كما هو معترف لها بموجب الوثيقة الدستورية تتمثل في مهام متعددة أبرزها؛ التأطير والتكوين السياسي للمواطنين (الفصل 7). هذا السيناريو يتمثل في الزيغ عن الأدوار الأصيلة للأحزاب السياسية إلى لعب دور المفرق بين مكونات الأمة عن طريق تجييش شبيبة الاحزاب، أو"الشعبوية المتطرفة" التي تنحو منحاها بعض الأحزاب، ومن ثم اللجوء إلى الفصل 59 من الدستور الجديد، أي تطبيق حالة الاستثناء. وهنا يكون الارتكاز إلى تدخل ملكي انطلاقا من الفصل 42 له مبرراته قبل اللجوء إلى الفصل 59، خاصة أن هذا الفصل لا يتحدث فقط عن التحكيم الملكي، ف"الملك رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها،..."، وفي حالة فشل التحكيم الملكي، أو إذا ما وقع من الأحداث ما يعرقل سير المؤسسات الدستورية، ويجعل الحياة السياسية في البلاد معطلة، أو دخول البلاد في أتون أزمات سياسية متتالية، يكون الفصل59 الملاذ الأخير أمام رئيس الدولة. ورغم التنصيص الدستوري على عدم حل البرلمان أثناء ممارسة السلطة الاستثنائية، أو المساس بالحقوق والحريات الأساسية - وهو ما لم يكن عليه الحال في أول دستور مغربي 1961-، فإن تركيز السلطات بيد رئيس الدولة، يدخل البلاد في حالة من الاحتقان السياسي والاجتماعي، ولنا في التاريخ السياسي المغربي مثال على ذلك مع الأحداث المؤلمة التي وقعت عقب إعلان حالة الاستثناء في سنة 1965. إن اللجوء إلى تشبيه الحياة السياسية - التي تلعب فيها الأحزاب السياسية أدوارا رئيسية-، بالحياة الزوجية لا يخلو من طرافة، والتمعن في هذه الطرفة يحيلنا إلى الميثاق الذي توثقت به هذه العلاقة، هل هو ميثاق غليظ، أم ميثاق واه، ولا يعدو أن يكون زواج متعة.. ؟! إن أي إشكال طارئ على الحياة السياسية جراء التدافع الديمقراطي للأحزاب السياسية داخليا، أو فيما بينها ، قد يشكل ظاهرة صحية، وفي نفس الآن قد يكون"عائقا ديمقراطيا" إذا ما تم التعامل معه باستخفاف، والأجدر أن يتم علاجه من داخل المؤسسات وبعيدا عن المزايدات والمشاحنات السياسوية.