بين طيات وجهها يحكي الزمان حكايات و حكايات ،و عينيها المشبعتين بالأسى على جيل تغير حاله ،و انقلب رأسا على عقب ،جلست أتأمل عمق الإحساس في كلمات كأنما هي غارات تقصف بنات جنسها من الجيل الأخر ،حدثتني ،و أنا ألمح ذالك الكبرياء و حنين الى ماض جميل ،تناثرت كلماتها على أذاني الصاغية تمعنا ، و حبا في حكمة تنطقها أفواه الطاعنين في السن ،و تحكي لي عن زمن '' الحايك '' لتعود بي الى زمن لم أعشه ،لكن وصفه كان شديد الإغراء بالنسبة لي لعيش ذالك الزمان ،وترسم لي بكلماتها المتقطعة لوحة بألوان النخوة والعز ،و أخلاق الزمن الجميل ،فأحسست أنها تعي عيشها زمنا غير زمانها ،كأنها تلك الغريبة القادمة الظلام ،و تتمنى معجزة ربما لتعيدها لزمن الحياء ،أو تعيد زمن الحياء اليها ،لزمن كانت فيه المرأة تحتل مرتبة القداسة في القلوب حتى و إن كانت في المجتمع تبدوا أنها تلك الصامتة الجاهلة ،إلا أنها ربت أجيال و أجيال ،و أبدعت حضارة و أورثت قيما و أخلاقا سرعان ما تناثرت مع انقراض أخر امرأة لبست عزتها ثوبا ،و الحياء زينة على معصميها تبهجها تلك الأصوات الصادرة مهنا عند رقصها في أحد حفلات الشاي المسائي رفقة جاراتها. سمعت تلك الزفرة الطويلة حسرتا على ما ألت اليه شاباتنا و نسائنا اليوم ،بعدما سألتها عن رأيها حول المرأة قديما و المرأة المعاصرة ،عن حضارة الجسد التي غزت نسائنا ،عن ارتداء اللاشيء على أساس '' الموضة '' ، قالت : " لم أتوقع أبدا بني أن حال النساء سيصل لهدا الحد ؟ " تحررت المرأة اليوم اعتقادا و فكرا ،و قانونا ،على حساب أنوثتها ،ناشدت بالمساواة و نالت منها خير النصيب ،لهن أجثوا على ركبتي و أرفع لهن قبعتي و رأسي مطأطأ ،طأطأة المهزوم ،لما وصل اليه العقل النسائي ،فأهلا بكن في عالم يعيش الحرب طيلة الأيام لكن كثيرا من النساء يتجاهلن واجباتهن الأنثوية اتجاه المحيط بهن ،كأم و كزوجة و كأخت و خالت و عمة... و أنثى. لكن عيب هدا التقدم و هذا التغيير ضريبة أدتها الجاهلات من النساء ،الراكضات خلف قطار الحضارة المنطلق بسرعة و هن يحاولن التشبث فقط في أخر مقطوراته ،فتراهن يتغيرن ظاهرا ،و يعودون للخلف باطنا ،يسرن نحو المجهول دونما أذنى محاولة منهن استخدام عقولهن للتفكير ،ناشدن الحرية حتى امتلكوها ،بل استطعن أن يتخطين أشد الحواجز ،فالدين كسر جداره ،و الحياء و الخلق سقطت أعلامهم بذلة ،و ارتقت المرأة للحضارة ،فهنيئا لكن الحضارة. ليست النساء كتلة واحدة للحكم على جنس بأكمله ،إنما نحكم على العقول ،على باطن الأشياء ،فيا نساء العرب استيقظن فلا هو الليل أزلي ،ولا النهاية بعيدة ،و الندم أشد العذاب ،حاولن تجنبه رأفتا بقلوبكن الحساسة ،و أعيد افتخاري بالنساء العاقلات اللائي أمسكن التقدم بأيد قوية لم تهزها ضربات الغرب.