كانت موضوعة الشباب والدين من المحاور الكبرى التي أثارت اهتمامنا بحكم اشتغالنا البحثي على بعض جوانب التدين المغربي ، وذلك على هامش مشاركتنا في فعاليات الحوار الوطني مع الشباب الذي أطلقته وزارة الشباب و الرياضة يوم السبت 22 شتنبر 2012 من أجل تنزيل مقتضيات الدستور بشأن إحداث المجلس الاستشاري للشباب و العمل الجمعوي . فمن خلال الانطباع الأولي حول الحوار ككل يمكننا القول بأن ما جاء به مشروع الإستراتيجية الوطنية المندمجة للشباب من مقترحات هي على العموم جد ايجابية لما اشتملت عليه من أفكار جديدة ورؤى متقدمة لتطوير العلاقة بين المؤسسات العامة وفئة الشباب في ظل مضامين دستور 1 يوليوز 2011 الذي أولى مكانة متميزة للشباب في هندسته الدستورية (الفصول 33،139) ، بحيث همت مقترحات المشروع تقريبا جل مجالات الاهتمام والفعل الشبابي وحاولت بجد تناول مختلف المطالب الآنية والملحة لتأهيل القطاعات العمومية التي تمس جوانب الفعل الشبابي وقضاياه، من خلال تقنية المقاربة المندمجة والمخططات البعيدة والمتوسطة المدى لتحديث البنية التحتية لدور ومراكز الشباب، خصوصا لما لها من أهمية لدى فئة الناشطين في إطارات العمل المدني وداخل الفضاءات الجمعوية و مقاربة عدد من الإشكالات الأساسية التي تصاحب الظاهرة الشبابية على مستوى التعليم الصحة السكن التكوين الشغل الثقافة الرياضة والترفيه والمواطنة وحقوق الإنسان والمشاركة السياسة في إطار تشخيص شامل لوضعية الشباب في المغرب يتيح معرفة أفضل لانشغالاتهم ومتطلباتهم، عن طريق إشراك الشباب في التفكير الاستراتيجي و تحديد الخيارات الإستراتيجية للتنمية بتشاور مع الجهات المختصة ، ووضع رؤية إستراتيجية للتنمية تكون إطارا لتنفيذ الإستراتيجية الوطنية المندمجة للشباب، و تحدد الخطوات الواجب اتخاذها في كل مجال على حدة من أجل ضمان تنمية تدريجية للشباب تتمحور حول الأهداف الإستراتيجية و النتائج المحورية، بما فيها الممارسة الدينية الشبابية التي تعتبر ذات أولوية قصوى لدى المعنيين بتأهيل الحقل الديني و تحقيق الأمن الروحي خاصة في ظل التحولات الكبرى و التأثيرات الإيديولوجية والعقدية التي يعرفها المشهدين الديني والسياسي على المستوى الوطني والعربي والدولي . المقترحات الخاصة بالشأن الديني كما جاءت مسطرة في المشروع تمثلت بشكل عام في النص على تنظيم نقاشات مع الشباب حول مبادئ وأهمية الدين والتقاليد أما على المستوى الإجرائي فنصت على ضرورة مصاحبة الشباب في الممارسة الدينية وذلك من خلال السهر على إنشاء فضاء للعبادة والتكوين الديني داخل الفضاءات الشبابية لتمكين الشباب المصلين منهم من أداء فريضة الصلاة أثناء ممارسة النشاط الجمعوي والترفيهي ، وهو مقترح على الرغم من عدم وضوحه له أهميته الخاصة عندما نضع في الاعتبار عدم توفر اغلب دور الشباب على طول التراب الوطني على مرافق لأداء الصلاة فيما يمكن اعتباره باستدراك فراغ أو شبه قطيعة غير معلنة بين هذه الفضاءات و التدين لازمت سياسة وزارة الشباب والرياضة منذ زمن بعيد في تدبير هذه المرافق ، كما يفتح المجال للتساؤل حول إشكالات التدين الشبابي ومقارباتها الرسمية . و مما قوى رغبتنا في مناقشة هذا المقترح و تداعياته أو بالأحرى إشكاليات التدين عند الشباب من خلال ورشة الحوار الشبابي، بغض النظر عن أهمية المقترحات الأخرى الواردة في المشروع ، هي مجموعة من الملاحظات الأولية التي استفزتنا ونحن بصدد النقاش حول مدى انسجام واتساق هذا الإجراء مع إستراتيجية هيكلة الحقل الديني التي يقودها السيد احمد التوفيق ، ومسألة المحافظة على خصوصية التدين المغربي المنبني على إمارة المؤمنين والعقيدة الأشعرية و المذهب المالكي و التصوف السني كما جاء في درسه الحسني الافتتاحي حول الثوابت الدينية للمملكة المغربية، و هل إحداث أماكن للصلاة بدور الشباب سيصاحبها حضور مؤطرين و مرشدين دينيين لإرشاد الشباب وتقديم الدروس الحديثية والفقهية والوعظية لهم من خلال برامج وأنشطة تنهل من خصوصية التدين المغربي أم ستقتصر فقط على الصلاة و ستترك في يد مسؤولي الشباب والرياضة الذين لا يجمع الكثير منهم مع مجال الوعظ والإرشاد إلا الخير و الإحسان أم ستترك للجمعيات مهام إدارتها. السيد ممثل المجلس العلمي في الحوار ، بعدما فصل في مداخلته تماما بين عمل المجلس و عمل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ركز على عامل الوازع الديني وأبدى من جهته حماسة منقطعة النظير في الدفاع عن المجلس العلمي وبيان أدواره الكبرى في تقديم الفتوى وعمله الدؤوب في إشاعة التدين وتكريس الوازع الديني بين صفوف الشباب ، معتبرا أن إحداث أماكن لإقامة الصلاة بدور الشباب هو فقط لتسهيل عملية تأدية فريضة الصلاة ، بينما الدور الأساسي في المحافظة على العقيدة والفقه المالكي يرجع للمجلس العلمي المحلي بحكم الاختصاص وان الشباب إذا رغبوا في معرفة دينهم فيجب عليهم أن يذهبوا إلى المجالس العلمية لاستشارة العلماء المختصين في الفتوى . لب الإشكال هنا أن العديد من العاملين بالمجالس العلمية أو بترويج الخطاب الديني الرسمي لم يدركوا بعد أن تصورهم المتقادم الذي يقضي باللجوء للمفتي واستشارته كما لو كنا لا نزال نعيش في عصر ما قبل اكتشاف المصباح الكهربائي ، لم يعد يلقى له شباب اليوم بالا وخاصة أن المعلومة الدينية في ظل الثورة المعلوماتية الهائلة التي يشدها العالم أصبحت في متناول الجميع بضغطة زر، كما أن ما يدفع الشباب دفعا لهذه القنوات هو تغييب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لدور المساجد و القيمين عليها في التواصل مع الشباب بعد أن أخضعتها لتوقيت إداري و أدارتها بمنطق امني ، فكيف بالله عليك ستفعل مع المراكز الدينية المخصصة للشباب العامل في الحقل الجمعوي والمدني و الذي يعيش فورة وثورة السؤال ومخاض الحقيقة الدينية والمعرفية ، كما يضاف إلى ذلك عدم تطوير المؤسسات الدينية الرسمية لأدواتها التواصلية في المجال الافتراضي الأكثر إقبالا من لدن الشباب وغيابها عن مواقع التواصل الاجتماعي ، وهذا من بين الأخطاء الكبرى التي جعلت عددا من الشباب في ظل هذا الغياب يتبنى عقائد دخيلة وغريبة عن الخصوصية الدينية المغربية، وليس هذا وفقط بل خلق هذا الغياب مجالا خصبا أمام حركات الإسلام السياسي والحركات المتطرفة لكي تستقطب الشباب لإيديولوجياتها وتعبأهم في مشاريعها السياسية . وبسؤال فقط وجهناه للحاضرين من الشباب إن كان احدهم منهم يفهم معنى أن التدين المغربي ينبني عقديا على مذهب الأشعري وتصوف الجنيد أجاب الأغلبية بالنفي ، في حين لا تمل وزارة التوفيق ولا تكل في كل خرجاتها الإعلامية من ترديد عبارة ابن عاشر كما لو كانت أمرا مقضيا ومسلما به في نفوس المغاربة ، وان الكل يفهمها بلا عناء يذكر دون أن تبذل المجهود الدعوي اللازم لكي تفسر للمغاربة أصول عقيدتهم في عصر أصبح فيه شبابنا معرض فيه للفتنة العقائدية والمذهبية و سطوة الإيديولوجيات اللائكية. على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجالس العلمية بدورها أن تفتح اوراش النقاش الجاد و المسئول مع الشباب قبل إحداث تلك الفضاءات المخصصة للصلاة و حان الوقت لكي تنزل إليهم وتسعى للقائهم وتستمع إلى مشاكلهم ومعاناتهم وأسئلتهم ما دامت تطالب بحضور الوازع الديني ومراعاته في تصرفاتهم ، وان يتنازل العلماء عن نخبويتهم المفرطة وليقتربوا من الشباب وينصتوا لهم قبل النطق بالتوجيهات والنصائح المتعالية ، فمن الربانية أن يخفضوا أجنحتهم للناس وان يبشروا بخطاب رباني عقلاني يتناغم وروح العصر و متطلباته ، ويستجيب لإستراتيجية متناغمة في التكوين الديني أولها إتاحة الفرصة للشباب لطرح الأسئلة مهما كانت مضامينها و تفكيكها بمنطق علمي معرفي رصين يسمح للشاب فيما بعد بالمزاوجة بين العقل والدين في اتخاذ قراراته و مواقفه و سلوكاته الاجتماعية والتربوية والمساهمة الفاعلة في خدمة بلده وتنمية قدراته العلمية و الفكرية والبدنية بتوازن مع الجانب الروحي والاعتقاد الديني .