تظل الثقافة رغم اختلاف المنابع الإديولوجية مفتاحا مشتركا بين جيمع التيارات التي ترى ضرورة لتغيير الأوضاع، و في وطننا الحبيب لا تجد عنزان يتناطحان في ضرورتها الملحة للخروج من المطبات الطبيعية و الصناعية التي يرزح داخلها هذا الوطن الجريح، فعلى اختلاف التسميات الطليعة الواعية أو جند الله أو أيا ما شئت تبقى هناك طبقة يجب أن تحرك ركود المجتمع، و من شروط هاته الطبقة وعيها بالعوائق و العلائق التي تواجه طريق التقدم و الازدهار، و اكتسابها لتصور عام حول الحلول الممكنة، لكن أهم صفة يجب ان تمتلكها هاته الطبقة هي انخراطها في صفوف المجتمع لمارسة التوعية و الوقوف في الصفوف الأولى لمعركة التغيير، و أستحضر هنا المثقف و العالم الكبير عبد الوهاب المسيري الذي كان يقف و هو المعتل و على مشارف القبر بين صفوف الشباب في مسيرات حركة كفاية ليقول بلسان الحال : ليس المثقف من يقرأ للناس من الكتاب لكن المثقف من يقول للناس افعلوا ما انا فاعل. فكان بجد خير من جمع بين القول و العمل فكان منارا في ظلمات من الجهل من فوقها ظلمات من الاستبداد لا تكاد ترى فيها يدك من كثرة الأفاقين و بياعي الأحلام. و على مر السنوات كان و لا يزال المداد يسكب في العلاقة بين المثقف و السلطة، و أنا هنا لا أدعي بأن قولي هو الفصل في هاته المسألة و إنما أعرض قناعتي الشخصية، فإذا كان المثقف هو ذلك الشخص الذي يمتلك وعيا كافيا حول الأحداث الدائرة حوله لدفع المجتمع لتبني موقف اتجاهها و من ثم دعم هاته الاحداث أو العمل على تغييرها، فإن المتعلم مهما ارتفعت درجته العلمية لا يمكن أن يحصل مرتبه المثقف دون ان ينخرط بالمشاركة الفاعلة في صياغة الوعي المجتمعي، و هاته المشاركة يجب ان تكون قولا وفعلا، و من هنا فالمثقف هو الذي بإمكانه أن يحدد شكل السلطة التي يجب أن تسود المجتمع و في يده متى رأى أن هاته السلطة غير قادرة على مواكبة التحولات المجتمعية كما و كيفا، فمالك بن نبي يعرض مثالا غاية في الروعة على أن العقل يقود العضلات بالصبي الذي يسوق الجمل . و قد قسمت احدى الباحثات السعوديات المثقفين السعودين إلى خمسة أصناف: 1. المثقف المنسحب (سواء كان الانسحاب عن إحباط أو عن تعال) 2. لمثقف المجاري (المداهن) الذي لا يتحلى بأي حس نقدي ويجنح للمجاملة غير الموضوعية. 3. المثقف الصدامي الرافض رفضاً مطلقاً يصل أحياناً إلى الرفض للرفض. 4. ! المثقف الموضوعي المتوازن الذي يحاول من خلال طرحه المتوازن أن يحافظ على حدٍ أدنى من الموضوعية والصدق والشجاعة في الرأي. 5. المثقف الذي لا تشغله إلا هواجسه الفكرية الإبداعية الخاصة مع محاولة لعدم الاحتكاك بالمجتمع. و في وطننا يجد الأنواع كلها إلا النوع الرابع الذي قلما تعثر لك على واحد بين ركام المثقفين، هاته الانواع التي لا تضيف قيمة للمجتمع اللهم أنها تزيد في تأزيم وضعيته إما بطرح الحلول الخاطئة أو المستوردة أو التوقيع زورا على السلطة السائدة كيفما كانت. و في أحسن الأحوال تتحكم الايديولوجية في المثقف ليكون شاهد زور مرة ثانية على برامج الاحزاب، و بدأنا نسمع في الآونة الأخيرة عن المثقف المتنقل الذي لا يكاد يتبنى وجهة نظر حتى يدعو لنقضها و لا يستقر به المقام على حال. ففي القصر الكبير انطلق جل مثقفينا خلف أحلامهم و تركوا أحلامنا بل و تركونا بلا أحلام و قلما تجد مثقفا يتذكر لهاته المدينة العريقة فضلها عليه مذ كان يلعب في أرضها و حين درس في مؤسساتها، جل مثقفينا آثروا النضال تحت أضواء الاعلام و الشهرة على أن يناضلوا جنبا إلى جنب مع "قصراوة" لأنتزاع حقهم في "تنمية أقاليم الشمال" و "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" اللهم إذا رضينا بمهرجانات الشطيح و الرديح نصيبا من الوعي. مثقفونا عندما عرض عليهم منبر قصراوة الأول "منتديات القصر الكبير" مجالا للتواصل مع المواطن القصري فضلوا أن يتواصلوا مع الدراهم و المكانة التي تتيحها وسائل الاعلام الوطنية، فضلوا ان يقولوا ما يرضي اهل الرباط لا أن يقولوا ما يرضى أهل القصر الكبير، مثقفونا أمنوا بأنهم "طبقة" و لا يريدون أي يشاركهم أحد في غنائمها، لذلك احتفظوا بوعيهم لأنفسهم، إلى مثقفينا نقول لكم، لم نعد بحاجة إليكم فلقد علمنا انفسنا أن ما حك جلدك مثل ظفرك و نحن نبحث في جنبات القصر الكبير عن هاته الاظفار التي منها من قضى نحبه بسهم النسيان و منهم من ينتظر و ما بدلوا حبهم لأصلهم تبديلا. نقول لكم أنكم أصبحت عالة علينا، أصبحتم عارا يجب غسله بأن ننكر ارتباطكم بنا، فنحن الأصل و امنتم الذيل و لا خير في رأس في الخلف.
و لا يمكن أن ننكر وجود فضلاء لازالوا يحملون سلاح التوعية و الدماء القصرية تجري في عروقهم ليقولوا للظلم لا و للعدل نعم، و خير مثال استاذنا الفاضل محمد كماشين، الذي إن بحثت في كتاباته تجد أكثر من ثلاثة ارباعها جعلها مدادا يراق قربانا لهاته المدينة العريقة، هذا الجبل الذي عرفناه من داخل المنتديات لا يهمه أن يلمع اسمه بل كتب باسم مستعار، و لما ناداه واجب ليكتب باسمه لبا النداء، لم يرى في منتديات القصر الكبير مغامرة طفولية أو لافتة حزبية بل رآها كما هي لوحة في وسط شارع مولاي علي بوغالب يخط فيها كل قصري همومه و مشاكله و آماله ليضيف عليها من هم مثل أستاذنا الفاضل لمسة حكمة فتصبح مطلبا واضحا راسخا في وعي قصراوة، و لهؤلاء الفضلاء نقول نعاهدكم أن نكون حرسا على ذاكرة و وعي قصراوة حتى يصبح صباح هاته المدينة. و في الختام يبقى أن أفتح أفقا للتفكير المشترك:فأقول فمن المسؤول عن هذا الوضع: هل هو المثقف نفسه الذي رضي بالذيلية؟ ام مناهج التعليم ؟ ام السلطة التي تجابه الوعي بقوة الحديد؟ و إذا كان الامر كذلك فكيف نجا الأفاضل الذين ذكرنا من براثن التجهيل و الظلم؟