سبق لفلاسفة كبار، عُربا وعجما، أن نظّروا لفكرة كون أصل الأخلاق هو الدين بمفهومه الموسع. وقد انتُقدوا على ذلك، ومما انبنت عليه بعض تنقيدات مخالفيهم، هو أن هناك مجتمعات غربية تتخلق بأخلاق جعلتها في مقدمة الأمم العظمى مع أنها لا تدين بأي دين، أو على الأقل، لا تستمدها منه. وإذا كانت لكل فكرة مرتكزاتها النظرية، فإن الحسم في مدى صحتها قد يرجع، ولا شك، إلى قوة الواقع من زاوية ممارسة تلك الأخلاق وامتحان أصالتها عمليا، وهو ما ننتصب معه اليوم شهودا في ظل جائحة فيروس كورونا، حيث شُدِهَ سكان العالم من عملية “انهيار” رمزي لجل تلك القيم الأخلاقية التي كان الغرب يتباهى بها في رخائه ردحا من الزمن ؛ فهذا يختار أي من الإنس أولى بالاستشفاء من غيره، وذاك لا يتردد في الإعلان عن أنانيته بقرصنة طائرات محملة بوسائل وأدوات قيل إنها واقية من انتشار الوباء، وثالث يدعو إلى جعل جنس بشري ك”فئران” تجارب لأي لقاح متوصل إليه، ورابع لم يبال بما تمر به “الإنسانية” في العالم وراح يفاوض تحت الطاولة لاحتكار اللقاح المزمع ابتكاره، وآخر قد تحلل من كل التزاماته العصبية والإقليمية تجاه الكثير من أعضائه وحلفائه. وفي المقابل، نجد مجتمعات، على قلتها في هذا الظرف العسير، لم تتنصل من أخلاقها الأصيلة المستمدة من الدين، وأعلت من شأن الإنسان لا لشيء سوى أن حرمته عند الله أعظم وأشد من غيره، وذلك بفعل قيم عديدة، ومنها: التضامن، والعفو، والتآخي، والتعاون، والمواساة، والصبر، والتضحية.