المصابون بحساسية الحب؛ الميالون إلى الموسيقى الهادئة، المحبون لإيقاع الجيتار يشعرون بالسعادة وهم ينصتون إلى فيروز، وإلى الكولوراتورا سوبرانو اليونانية ماريا كالاس، ولمناجاة لوتشانو بافاروتي، ولإيقاعات القلب على نحو يشبه كونشيرتو الفنانة الهندية الأسطورة لانا مانغيشكار lata mangeshkar التي رافقت كل نجوم بوليود لأكثر من ستة عقود في أكثر من ألف فيلم. وعلى نفس النهج نجد Nooran Sisters كتجربة موسيقية جديدة ترفض إيقاعات الصخب وتعلي من الموسيقى الهادئة. الأمر الذي يذكرنا بالفنان الأسطورة رافي شانكار الذي قدم رصيدا فنيا زاخرا في مجال التأليف والتلحين تمثل في استعادة روح الموسيقى الهندية القديمة من خلال آلة السيتار، ومن خلال استلهام التراث الموسيقي الهندي الخصب خاصة منه الهندوسي، بوصفه منحدرا من عائلة مكونة من البراهمة، وهي أعلى طبقة في المجتمع التقليدي مجمع الهندوسية. “سمراء من قوم عيسى” رسمها ناظم الغزالي بمواله الساحر فكانت الموسيقى صوت الهوية، ووجع الوطن مع سيد درويش، وحوار الثقافات مع محمد عبد الوهاب، وهي إظهار للحب، وافتتان بالمحبوب مع نغمات فريد الأطرش، وآهات الست” سومة”، وزخارف إيقاعية مع أسمهان، وصوت الألم مع عبد الحليم حافظ. الموسيقى تعادل الواجب المقدس لدى الساموراي بمنظور أكيرا كوروساوا، إنها الكلمات الأصيلة التي تجد في اللحن المبدع والصوت الرفيع دعامة للتميز كما هو الحال مع قصيدة الراحل عبد الرحمان الأبنودي في فيلم “عرق البلح” للمخرج رضوان الكاشف. والأداء الممتع لشريهان، عبلة كامل، حمدي أحمد، محمد نجاتي، فائزة عمسيب، والراحل عبد الله محمود. ولأنها كذلك فهي خيال متجدد يبرز إبداعية الإنسان في شبابه المتجدد، وقدرته على تحويل الغربة إلى طاقة إبداعية كما هو الحال مع صاحب سيدي الهواري، الشاب خالد. وحتى الموت لا يستطيع أن يبعدنا عن الموسيقى التي نحب. موسيقى الراي مع المرحوم الشاب حسني صاحب” طال غيابك ياغزالي”، وأثر خطى الشاب عقيل في طريقه إلى مدينة طنجة ليترك في حادثة مأساوية عشاقه مع ” مازال مازال”. الموسيقى تمرد متجدد مع محبي الروك أندرول، والروك ميتال، وصوت الهامش مع هيب هوب، والراب. لنقل إنها قصة تكتب بأنغام البوب Pop Music كما هو الحال مع ” أديل Adele”. وصوت إفريقيا مع الفنان السنغالي يوسو ندور، وذاكرة جنوب الصحراء مع إيقاعات كناوة”، المعلم غينيا، المعلم حسن بوسو، المعلم باقبو، المعلم حميد القصري” وآخرون. الموسيقى هي صوت الخلود مع خوليو إجلسياس، ومذاق الشامبانيا مع ديميس روسوس، وصوت الشعب مع”ناس الغيوان” و”المشاهب” و”جيل جيلالة”، وصوت القلب مع منانة السريفية، المختار العروسي، احمد الكرفطي، وصوت الحياة الاجتماعية مع محمد العروسي، شامة الزاز. الموسيقى هي الحاملة لسيرة مقاومة الظلم مع خربوشة، و لإرث الأجداد مع الرايس الحاج بلعيد، وبوبكر ازعري،وعمر اهروش، واحلام جيل السبعينيات مع مجموعة اوسمان، ولعطر التراب مع “إزنزارن”، والذاكرة الأمازيغية مع ارشاش. الموسيقى وجدان شعب نتذكر الفنانة التونسية صليحة ورائعتها” فراق غزالي”، وعميد الموسيقى الجزائرية الحاج محمد العنقة، إنها إرادة القوة مع الملحن عبد السلام عامر، وصوت الأسلاف مع إيقاعات الشعوب في أعالي الجبال. بيد ان الموسيقى وهي تهتم بالصوت والحركة واللغة المخصوصة وتزاوح بحرفية بين قوة الحدس ونباهة اللوغوس تعلي من الفعل الإنساني كفعل إبداعي وتكشف ماهية الكينونة، وربما للسبب نفسه كانت الموسيقى في الثقافات الشرقية انعكاسا للحقيقة لدى اهل الصوفية، مثل شمس الشموس مولانا جلال الدين الرومي ومن في جبته. وهي اليوم الحصان الأبيض الذي يأخذنا مع ماجدة الرومي إلى عرس القلب، وصوت الرفض مع ” الشيخ إمام”، وعنوان المقاومة مع مجموعة” العاشقين الفلسطينية”، وصوت الحرية مع جوليا بطرس. إنها تجربة حسية رفيعة، وإدراك جمالي وفلسفي للذات وللعالم. ولأننا كذلك فقط استطاعت أن تحقق في نماذجها المشرقة مثل أكسير الحب ل”دونيزيتي”، و أوجين أونجينى ل “تشايكوفسكى”، ودون جيوفانى ل” موتسارت” ما عجزت عنه أغلب الفنون واشكال التعبير الأدبي والفكري. يمكن الإحالة هنا إلى سليل مدرسة فرانكفورت تيودور آدورنو وكتابه”فلسفة الموسيقى الجديدة”.