تعد ساحة مولاي المهدي بمدينة القصر الكبير ( شمال المغرب ) من أهم الساحات الموجودة بها ، إلا أن مصيرها كمصير باقي المآثر التاريخية والمعالم التراثية التي تعرضت للإهمال والتغيير والاندثار . حيث تم تغيير ساحتها ومدارها ونافورتها التي كانت جميلة ورائعة من حيث الشكل والزخرفة وأعمدة الكهرباء التي كانت تتوسط المدارة أو النافورة . وتوجد بها اللوحة الرخامية التذكارية التي تؤرخ يوم حل بمدينة القصر الكبير بتاريخ 27 أبريل سنة 1913 م ، مولاي المهدي بن مولاي إسماعيل (1893- 1923 م ) . بعد تعيينه أول خليفة لشمال المغرب من طرف صاحب الجلالة مولاي يوسف بن مولاي الحسن بظهير سلطاني . حيث يعد الخليفة الممثل الرسمي الأول في المنطقة الشمالية للسلطة المركزية ، وعاصمتها مدينة تطوان ، حيث يوجد بها المقر الرسمي للخليفة السلطاني ، والمقيم العام الإسباني ، وجميع الإدارات والمصالح القضائية والإدارية . وتعمل بجانبه جماعة من المسؤولين والموظفين من أجل السهر و العمل على تسيير شؤون سكان المنطقة . وقد خصص للخليفة والوفد الرسمي المرافق له أهل مدينة القصر الكبير وضواحيها حفلا رسميا كبيرا، ونصبت خيام بالمناسبة ، حيث تم تخصيص واحدة منها للمقابلات الرسمية بالمدينة . وقد استقبل وفودا تمثل السكان المحليين وكذا الوفود الأجنبية وكذا وفد اليهود المغاربة ، حيث قرأ أحبار اليهود بعضا من كتبهم المقدسة ترحيبا بالخليفة والوفد الرسمي المرافق له . بهذه المناسبة تم إنجاز لوحة رخامية تخليدا لهذه الزيارة ، وأُطلق إسم الخليفة مولاي المهدي على هذه الساحة ، ونقش عليها باللغة العربية والإسبانية ما نصه باللغة العربية : ( ” ساحة مولاي المهدي . تذكارا لوصول الشريف المعظم المقدس مولاي المهدي ين إسماعيل الخليفة الأول في هذه المنطقة في 20 جمادى الأول عام 1331ه ، فإن مدينة القصر الكبير التي دخلها أولا تقوم بتخليد هذا التاريخ وبإعطاء إسم سموه إلى هذه الساحة ” ) . ( وقد ركبت هذه الر خامة في إحدى ساحات القصر الكبير وأزاح الستار عنها سمو الخليفة مولاي الحسن في زيارته الأخيرة ) . مجلة السلام عدد 9 يونيو 1934م . ويعد مولاي الحسن بن المهدي (1911- 1984م) ثاني وآخر خليفة سلطاني لمنطقة شمال المغرب خلال الحماية . حيث تعاقب على هذا المنصب خليفتان . هما مولاي المهدي بن إسماعيل من 14 مايو سنة 1913 م ، إلى 23 اكتوبر سنة 1923 م . وإبنه مولاي الحسن بن المهدي من 4 نونبر سنة 1925 م ، إلى 7 أبريل سنة 1956 م . كانت هذه الساحة قبل تدشينها وإطلاق عليها إسم ” ساحة مولاي المهدي ” عبارة عن أرض لا توجد بها أرصفة ولا طريق معبدة ، يحيط بها بعض المنازل والمتاجر والأشجار ، كما تشهد على ذلك بعض صور زيارة الخليفة السلطاني للمدينة وإقامة الحفل الرسمي للزيارة ، الواردة بمجلة السلام عدد 9 يونيو 1934 م . وأضحت هذه الساحة مكانا رسميا لإقامة المهرجانات واللقاءات والاحتفالات الرسمية والوطنية . منها على سبيل المثل لا الحصر : زيارة الملك محمد الخامس لمدينة القصر الكبير يوم 10 من شهر أبريل سنة 1956 م ، قادما إليها من مدينة تطوان بعد عودته من إسبانيا ، وكانت ساحة مولاي المهدي النقطة الرئيسة التي خصصت لاستقبال الملك والوفد الرسمي المرافق له ، حيث نصبت بها منصة رسمية كبيرة ، وزينت بالأعلام الوطنية ، واللافتات التي تضمنت عبارات الترحيب والولاء والفرحة ، ومصابيح الإنارة المختلفة الألوان ، كباقي شوارع وساحات المدينة ، وقد وأقيمت سهرات واحتفالات بهذه المناسبة التاريخية السعيدة . وقد حل بساحة مولاي المهدي الزعيم علال الفاسي في إحدى زيارته للمدينة بمناسبة إحياء ذكرى معركة وادي المخازن الشهيرة ، حيث أقيم في هذه الساحة احتفال رسمي ونصبت منصة رسمية ، والتقى بمختلف أبناء المدينة والقبائل المجاورة ، وألقيت خلال هذا اللقاء الخطب وكلمات الترحيب من طرف بعض المشاركين في هذا اللقاء الفريد . وعرفت هذه الساحة مجموعة من الإصلاحات والبناء ، فشيدت بعض الديار والمتاجر والمرافق العمومية الإدارية والتجارية ، منها دار العدول التي أقيمت في بناية المحكمة الابتدائية شعبة التوثيق ، والسوق المركزي ( المعروف بالبلاصة ) يضم مجموعة من الدكاكين، وكذا مكتب المحتسب بأحد المحال الخارجية للسوق ، ومقر مصلحة الشرطة التي انتقلت فيما بعد إلى مقر بشارع محمد الخامس ، وكذا محطة النقل العمومي ( نقل البرادلي ) ، بالإضافة إلى محال تخص مختلف الحرف والمهن ، كالحلاقة والتصوير والكتب والجرائد … هكذا يظهر أن المآثر التاريخية والمعالم الأثرية بمدينة القصر الكبير لا يكتب لها البقاء والدوام، على خلاف ما يحدث في باقي المدن المغربية التي تهتم بمآثرها ومعالمها بالحفاظ عليها بالصيانة والترميم والإصلاح ، حتى تكون شاهدة على تاريخ المدينة وحضارتها وآثارها . وإنما تتعرض إلى الإهمال والنسيان والتغيير إلى أن تلقى مصيرها المحتوم ألا وهو الاندثار .