خلال الآونة الأخيرة عرفت مدينة القصر الكبير حراكا على عدة مستويات من خلال تنظيم فعاليات المجتمع المدني في المدينة للعديد من الأنشطة المختلفة الثقافية أو الحقوقية أو الفنية أو السياسية، التي تناولت مواضيع مختلفة من مجالات الحياة. المتتبع لهذه الأنشطة يكتشف شيئا مهما افتقدته مدينة القصر الكبير منذ سنوات طويلة، إنه ذلك الدفئ الثقافي الذي بدأ يدب في أطرافها التي حل بها الجمود. بعد أن استسلمت لأقدار السياسة وجلست القرفصاء تنتظر ضربات المتكالبين عليها ممن تاجروا في جماليتها ورصيدها الثقافي والتراثي والفكري، وأصبح اسم المدينة مقترنا بأسعار البضائع المهربة المنخفضة، أو أنواع الخضر والفواكه التي أصبح القصريون يمارسون معها فنون القفز والتجاوز بعدما أغلقت كل الطرقات بفعل انتشار العربات وما شابه ذلك. هذا الحراك القصري الجميل رغم أنه يبقى موسميا، إلا أنه يكشف أن للمدينة عشاق يستهويهم استنشاق هواءها ليس لنقاوته بالضرورة، لكن لأنه لابد منه لأبنائها الذين غادر بعضهم المدينة مكرها، و يصر على انتسابه إليها ويحسون باشتياق مستمر لها، عملا بالقول الشعري المأثور: ( بلادي وإن جارت علي عزيزة )، في حين تظل مدينة القصر الكبير محافظة على أنفتها وعزتها في وجه بعض أبناءها الذين يحاربون قصرا سكن داخلهم، في هروب جبان يكشف انحطاطا هوياتيا لا نكاد نجده سوى في هذه المدينة الجميلة، التي لا ذنب لها سوى أنها كانت على مر العصور تصر على وضع الأصبع على جراح السياسة غيرة منها على حضن دافئ اسمه المغرب. استقطبت مجموعة من الأنشطة التي أقيمت في المدينة وجوها قصرية حلقت بعيدا لكنها لم تنسى يوما مدينتها الأصل، وأصبح المدينة تبدو وكأنها تستعيد ذلك الزمن الجميل الذي كان فيه السياسي والمثقف والفنان يكملون بعضهم البعض، عندما كان الاختلاف رحمة يعطي للتنافسية الثقافية والسياسية والفنية نكهة متميزة، خاصة وأن اختلافها كان يدفع للإنتاج الغزير في المجالات المذكورة، عوض التنافس حول إنتاج الرداءة الذي أصبحنا نرى مظاهرها الكثيرة اليوم. القصر الكبير لا تعاني داء ميؤوسا منه، إنها فقط مصابة برعشة مزمنة نظير الجليد الذي ما فتئ الكثيرون يصبونه عليها لجعلها غير قادرة على مبارحة هذا الجمود، المدينة تحتاج إلى هواء ثقافي وسياسي وفني دافئ حتى تحمر وجنتيها وتطلق ابتسامتها الساحرة التي تسر الناظرين وتجلب المعجبين.