محمود طفل صغير، يعيش في قرية، يتيم الام، لديه ثلاثة اخوان من الاب، اصغر منه سنا، يستيقظ كل يوم في الخامسة صباحا، يذهب الى المدرسة التي تبعد بخمسة كيلومترات عن القرية مع الاطفال من سنه، يأخذ معه قطعة خبز و بعض حبات الزيتون، يتناول وجبته بعد الحصة الصباحية و عند اقتراب مغيب الشمس يعود ادراجه مع اصدقائه الى القرية. على مدخل بهو المنزل القصديري، يجد زوجة ابيه تنتظره بمكنسة من دوم لينظف الاصطبل، تنهره بأبشع الكلام، مادام الاب لم يعد بعد من دكانه الصغير حيث يمتهن مهنة بائع للمواد الغذائية ، فإنها تستغله بكفى الوسائل من سب و ضرب و اهانة، ففي الوقت الذي ينعم فيه ابنائها باللعب، لا تتركهم يقتربون منه و تقنعهم انه مريض و سيمرضون كذلك ان هم لعبوا معه و بعد الانتهاء من التنظيف على محمود الصغير ان يذهب الى حقل مجاور ليأتي بحزمة كبيرة من الحطب تتركها هناك بعدما تقوم بتجميعها في النهار، يحملها على جسده النحيف دون ان يستطيع الرفض، لأنه يعمل جيدا ، ان ذلك يعني النوم بدون اكل. تستمر المعاناة اليومية، بقيامه تقديم العلف للبقر و ذهابه مباشرة الى المطبخ، يأكل على الارض ما بقي من طعام اخوته، يغسل بعدها الاواني المتسخة و المتروكة هناك منذ الصباح. تعب و ارهاق في جسد صغير، لا يقوى على التنفس بعمق، ملامح تعود لرجل متوسط العمر، لا يتقن الحديث بسلاسة، اهمال و تجرد من هوية طفل مكانه المدرسة و اللعب. في الوقت الذي يستعد فيه محمود لمراجعة دروسه، تنهره زوجة ابيه و تصفعه على وجهه و تقول له: ” مكانك هنا في الاصطبل اما المدرسة فهي لأبنائي، اذهب الى النوم، لا اريد ان ترى والدك عندما يعود الى البيت”. يرد عليها : “لكنني اشتقت لابي”، لتقاطعه مباشرة و تقول له :” لا اريد كلمة اخرى والا فانك تعرف عقوبتك و تشير بيدها الى نار الموقد”. انذاك يذهب محمود الى زاوية في الغرفة ويغمض عينيه، في رحلة نحو المجهول، يعلم ان الغد مثل اليوم، مثل الامس، الراحة لا يعرفها و الفرح غاب عنه يوم وفاة والدته، ما العمل؟ و كيف له ان ينجو من سطوة زوجة ابيه و اهمال والده له؟. في لحظة يأس دفين، فتح عينيه و بجانب باب الغرفة، لاحظ خشب السقف منزوع عنه التبن و الصلصال، و دون تردد فكر ان يهاجرالى مكان لا وجود فيه لزوجة الاب، أخد كرسي و ثوب لحاف رقيق، وهناك صنع مشنقة لروحه قبل جسده و كانت نهاية طفولة لم تلقى الرضا الذي يجعلها تتشبت بالحياة، مات محمود و الغصة بقيت في قلب و الده، ندم كثيرا لأنه اهمل فلذة كبده على حساب زوجته و ابنائه الاخرين. عندما فتشوا حقيبته و جدوا ورقا مكتوب عليه، ” سأفعلها يوما يا أمي انا قادم”.