إننا كثيرا ما نهتم بكل الثقافات أو معظمها، كالفنون والآداب والعلوم السياسية والاجتماع والاقتصاد... وغير ذلك ولكن حتى الآن لم يتسع مفهومنا في معظم الوطن العربي ليشمل الثقافة القانونية رغم أنها وثيقة الصلة بحياة الإنسان وسلوكه وتصرفاته، فلا شك أن كلا منا أفراد وجماعات نواجه مشاكل في علاقاتنا مع الآخرين ولكن لا احد يعرف متى يكون تصرفه صحيحا متفقا مع القانون ومتى يكون عكس ذلك. وأما هذه المشاكل التي يعيشها كل الناس أو معظمهم سواء بوعي أو بغير وعي لدى خطورتها وأمام نتائجها التي تتمثل في تعقد العلاقات وتشابك المصالح وخاصة داخل المجتمعات الرياضية المتعددة الأنشطة، أمام هذا كله يدعونا الأمر إلى التعريف بمبادئ القانون وعلاقته بالتربية الرياضية بقصد التوعية القانونية ولو في أبسط مفهوم كمحاولة لضمان استقرار العلاقات والمعاملات وتوفير الوقت والجهد الضائعين في المنازعات والخلافات الرياضية. وتستعمل كلمة القانون للدلالة على مجموعة القواعد التي تنظم سلوك الأفراد وتصرفاتهم داخل المجتمع الذي يعيشون فيه والتي يترتب على مخالفتها توقيع جزاء على المخالف. فالقانون يفاضل بين مصالح الأفراد المتشابكة والمتصارعة ويفضل مصلحة على أخرى ويصبغ عليها الشرعية والحماية. وبذلك نشأ الحق لمن اتخذت مصلحته مركزا متميزا ينفرد به دون غيره، وهذا الحق لا ينشأ إلا استنادا على قاعدة من القواعد القانونية يصبغ عليها حمايتها وتلزم الكافة باحترام هذا الحق. وحينما يوجد الإنسان يوجد القانون، حيث أن الإنسان اجتماعي بطبعه ولا يستطيع أن يعيش بمفرده ووجود الجماعة يحتم نشوء علاقات متعددة ومصالح متنوعة بين كل فرد من أفرادها ولابد لهذه العلاقات من تنظيم، ولهذه المصالح من قواعد تحكمها، فلا يمكن أن نتصور مجتمعا من المجتمعات الإنسانية بلا قواعد تحدد سلوك أفراده وتبين مالهم من حقوق وما عليهم من واجبات. وقد سبق وأن أوضحنا كيف أن الرياضة وجدت أيضا مع وجود الإنسان الأول كنشاط ضروري لحياته تماما كما وجد معها القانون كوسيلة لتنظيم معاملاته، وتطورا معا عبر الزمن ليأخذ أنماطا اجتماعية وسياسية وايديولوجية سواء من حيث الهدف أو الأسلوب، فأصبحت الرياضة نظاما اجتماعيا خاصا له أهدافه ومقوماته وخصائصه في نطاق دولي مترابط عن طريق الاتحادات الرياضية الدولية واللجان الأولمبية والمنظمات والهيئات الإقليمية والقارية، مما أكسب التنظيمات الرياضية صفة إنسانية رفيعة تقوم على أساس متين من النظم والقواعد والتشريعات القانونية. كما أنه من المعروف أن التنظيم في العلاقات الاجتماعية بين أفراد الجماعة يعني وجود ضوابط للأفراد ما يجب إتباعه في علاقاتهم بعضهم ببعض، ولكن مجرد وجود هذه الضوابط لا يكفي بل لابد من شعور الأفراد بوجوب احترامها وإلا وقع عليهم الجزاء المناسب بواسطة المسؤولين عن تطبيق القانون، فالغرض الأساسي من القانون هو تنظيم علاقات الأفراد فيما بينهم بالقدر اللازم لإسعاد الجماعة وضمان استقرارها وأمانها. وليس هناك أكثر من المجتمعات الرياضية حاجة إلى هذا النظام القانوني باعتبارها مجتمعات قائمة على التنافس الحر لتحقيق النتائج ولكسب المشروع فلا بد من تشريعات منظمة وقواعد قانونية حاكمة تفرض الانضباط وتلزم بالاحترام وتؤمن السيطرة على الانفعالات والنزوات السلبية حتى نتفادى تصادم المصالح وتشابك الرغبات واحتكاك الثغرات الذاتية، مما يساعد على تحقيق فرص تمرس الشباب على أساس من الصبر والتركيز الذهني والإدراك الواعي حتى لا يكون النظر إلى الخسارة على أنها إهانة أو دليل ضعف، بل هي مؤشر ينبه الفرد إلى أن يعيد النظر في مواقفه ليكمل المسيرة على نحو أفضل، وهذا لا يكون إلا إذا اتخذت إجراءات قانونية رادعة، وفي نفس الوقت تكون هذه الإجراءات الرادعة بأسلوب يتفق مع التوجيهات التربوية المنشودة من وراء ممارسة التربية الرياضية. ومن هنا كان تلازم بين القانون والرياضة تلازما قويا، فإذا ما غاب القانون أو خاب أصبحت الرياضة نوعا من اللهو العابث أو التسلية الرخيصة فتعم الفوضى داخل المجتمعات الرياضية ويسود الانحراف وتصبح الرياضة معول هدم السلوك وأخلاقيات من يمارسها دون ضوابط أو أحكام. و أننا لو أمعنا النظر في الحركة الرياضية لوجدنا أن القانون يشكل القاعدة الأساسية في هذا الكيان، حيث أن من أهم أهداف التربية الرياضية تنشئة جيل سليم يتمتع بسلوك سوي لا يأتي إلا بوجود ضوابط تحكم العلاقات وتلزم الأفراد سواء أثناء النشاط أو قبل النشاط أو بعد النشاط وكثيرا ما تكون القواعد الاجتماعية هي المصدر الذي تنبع منه قواعد التشريع الرياضي. فبالإضافة إلى القانون كتشريع للمجتمعات الرياضية توجد القواعد الأخلاقية والتقاليد والروح الرياضية والأوامر والنواهي الدينية وهذه كلها يطلق اسم القواعد الاجتماعية. بقلم الاستاذ نعمان عبد الغني