العقيدة في الإسلام هي أصل الأصول، وهي المسلمة الأولى التي تتفرع منها بعد ذلك كل الأمور، سواء في ذلك النظم والشرائع التي تنظم شؤون الحياة، أو الآداب والسلوك والأخلاقيات. فالعقيدة هي المصدر والمشرع لبناء نظام المجتمع ولإقامة هياكله التنظيمية ولتربية الأفراد والجماعات، فضلا عن كونها تحدد الأحكام التي يقوم عليها البناء التعبدي. وإن الوسيلتين اللتين تصدران عن العقيدة لتحديد الملامح لنظام حياة البشر، هما القانون والأخلاق، والقانون يتوجه في الأساس للجماعة لينظم تعاملاتها، لذلك فهو يقيم أحكامه على قدر كبير من العموم والتجرد، فهو يتعامل مع الإنسان ويضبط معاملاته، لا بوصف هذا الإنسان فردا معينا ومسمى، ولكنه يتعامل معه ويضبط معاملاته آخذا في الاعتبار السمات العامة للإنسان عادة في تلك الجماعة المحكومة، بصرف النظر عما يتخالف فيه أفراد هذه الجماعة من سمات عينية ملموسة لكل منهم. ولذلك فإن القانون يعول، في معاملاته في الأساس، على الظاهر من تصرفات الناس في جماعة معينة، دون أن يصرف همه الأساس للحكم على الدوافع الباطنية لهذه التصرفات، ولذلك أيضا فإن حكمه على معاملات الناس يكون بطريق الفرض والإلزام، ووسيلته في ذلك أن تحمي سلطة الدولة أوامره، ويكون اللجوء إليها استخدام العنف لفرض قوة الإلزام لأوامر التشريع ونواهيه. أما الأخلاق، فهي، وإن كان هدفها النهائي صلاح الجماعة، فإنها تتوجه في الأساس للفرد في هذه الجماعة لتنظيم سلوكه، وأحكامها بالغة المرونة لأنها تراعي أوضاع الأفراد من حيث كونهم أفرادا، أي تراعي ما يتمايزون به من سمات خاصة وملامح ذاتية، لذلك فهي هادية أكثر منها حاكمة، وهي ناصحة أكثر منها آمرة، وهي تضع في اعتبارها نيات الناس ودوافعهم الباطنية، ولا تكتفي في حكمها على السلوك بظاهره، وهي بذلك لا تملك وسيلة مادية لحمل الناس على اتباع وصاياها، إتيانا لما تحسنه وتجنبا لما تقبحه، إنما وسيلتها في الهيمنة على سلوك الأفراد وحماية قواعدها، هي اللجوء إلى الزواجر الأدبية والروادع النفسية، حيث إن الخروج عن قواعد الأخلاق يمثل سلوكا مشينا يزدري صاحبه أمام الناس ويمتهنه. وإن العقيدة الإسلامية عندما تمثل النبع الرئيس لأحكام القانون وقواعد الأخلاق، إنما تخلق تناسقا وانسجاما بين هاتين الوسيلتين في تكاثفهما على إقامة نظام الحياة في المجتمع. وهما تتبادلان تنظيم الجماعة وأفرادها، كل في مجاله وفيما يصلح له من ميادين النفوذ والفاعلية. وبوجه عام، فإننا نلحظ أنه كلما اتسع حجم الجماعة المعنية بالتنظيم، كان حكم القانون لنظمها وعلاقاتها أوجب، وكلما صغر حجم الجماعة المعنية كان إرشاد الأخلاق لها أنسب. وإن الجماعات تتسلسل في المجتمع من الوحدات الصغيرة إلى الوحدات الأكبر، ومن الأسرة كجماعة صغرى حتى تصل إلى الجماعة السياسية العامة التي ينتمي إليها الأفراد، بحكم صلات النسب كالعائلة والعشيرة والقبيلة، أو بحكم الاندراج في الوحدات السياسية القائمة كالدول. محمد الشودري