تلجأ شريحة واسعة من الأساتذة العاملين في البوادي-خصوصا العاملين في التعليم الابتدائي- لقطع مسافات للتنقل بين مقر سكنهم و عملهم ذهابا وإيابا،وهو تنقل تفرضه ظروف العيش الصعبة في العالم القروي الذي يفتقر في أغلب الأحيان إلى الحد الأدنى من ظروف العيش الكريم، بالإضافة إلى تواضع السكن الإداري المخصص لإقامة الأساتذة الغير مجهز -في الغالب- بالماء والكهرباء، كما أن الرغبة في تشكيل أسرة والاستفادة من ظروف العيش في المدينة مع ما توفره من إمكانية لتوفير التطبيب و تمدرس الأبناء..قد تشكل دافعا قويا لتحمل مشاق “لانافيط” التي تمثل -غالبا- شجرة تخفي خلفها غابة من المشاكل والمعاناة المادية والمعنوية. عملية التنقل من مقر العمل إلى السكن -في المدينة- تقتضي أولا الانتقال إلى مدرسة بجانب طريق رئيسية أو طريق معبدة فرعية ،-باعتبار أن العمل في القرى النائية يعني استحالة التفكير في لانافيط- وبعدها يتم البحث عن وسيلة مناسبة للتنقل والتي تختلف باختلاف المناطق والظروف. وإذا كان كثير من الأساتذة يعمدون إلى التنسيق مع بعضهم من أجل التنقل في مجموعات صغيرة وهو ما يقتضي اختيار استعمال زمن موحد ومتوافق مع استعمالات زمن زملائهم ممن يملكون سيارات خاصة مع المساهمة في تحمل مصاريف التنقل. فإن فئة كبيرة -وبسبب ندرة وسائل النقل في العالم القروي-تضطر للانتظار أوقات طويلة و التنقل مع خطافة أو استعمال وسائل نقل غير تقليدية مثل “الترانزيتات” أو “الشاحنات” وفي بعض الأحيان” كراول”..مع إمكانية قطع مسافات على الأقدام للوصول للمدرسة، بينما اختار آخرون التنقل عبر دراجات نارية أو “سيارات متهالكة” . ويقول “رشيد ش” وهو أستاذ في بداية الثلاثينات أنه يقطع يوميا حوالي 20 كيلمترا على متن دراجته النارية للوصول إلى المدرسة حيث يعمل..ويضيف رشيد وهو رب أسرة “انتقلت إلى هذه المدرسة بعد أن قضيت سنة في إحدى المجموعات المدرسية في جبال شيشاوة حيث كنا نقضي ساعات على متن “الشاحنة” أو “الترانزيت” للوصول لإحدى القرى الجبلية،بعدها نضطر لقطع المسافة المتبقية مشيا على الأقدام أو باستعمال الدواب” وبالإضافة إلى العناء والمشقة فإن عملية التنقل اليومي -بين مقر السكن والعمل- تقضم مبالغ هامة من الرواتب الشهرية للأساتذة، وفي هذا الصدد يقول عدنان وهو أستاذ تعليم ابتدائي “أنه يقطع وزوجته يوميا مسافة 20 كيلومترا يوميا –ذهابا وإيابا- منها حوالي 10 كلمترات في طريق غير معبدة وأنه يصرف شهريا ما بين 600درهم و 1000درهم في البنزين وصيانة السيارة” في غياب أي تعويض مادي عن التنقل أو عن العمل في العالم القروي. ورغم معاناة التنقل ومشاقه تبقى روح التحدي والاستعداد للعطاء والتضحية قائمة لدى أبناء “مهنة الطباشير” التي لم ينجح تهميشها في حجب رسالتها النبيلة ولم تنل ظروف العمل-في العالم القروي- من عزم أبنائها وبحثهم عن عيش أفضل،ليبقى العيش في المدينة تاجا على رؤوس القاطنين بها لا يدركه إلا من فرض عليهم العمل في البوادي. منقول : عن الرأي الحر طه العيسي