بقلم الحبيب عكي ليست"موازين"الرباط واحتفالاتها الفنية السنوية الجماهيرية الصاخبة وحدها من تساءل الجهات المسؤولة والمنظمة وحتى المتفرجة المنتشية، أسئلة بحجم أفراح الوطن وأتراحه، بل ها هي"موازين"الحسيمة أيضا وحراكها الاجتماعي المتنامي في الزمان والمكان، والمتصاعد في المطالب والطموحات، والمؤكد المكاسب والإنجازات، ها هو حراك الريف يساءل نفس الأسئلة بحجم كل أفراح الوطن وأتراحه كل الجهات المسؤولة والمنظمة وحتى المتفرجة المذهولة؟؟.لماذا كل هذه الهزات التي تكاد في كل مرة تغرق السفينة بقادتها والركاب، الثاقبين للمراكب والناظرين فيهم والمنتظرين الوصول إلى شط نجاة قد يمد المرء بصره ما مده فلا يراه، وكأننا لم نعد دولة عريقة ولا حكيمة بل مجرد عميان تائهين يتلمسون طريقهم في غابة الدساتير الممنوحة والقوانين المعطلة؟؟. "موازين"الرباط، أو الشجرة التي تغطي ورائها الغابة كما يصفها البعض، تحمل كل التناقضات الصارخة والمفارقات المتضاربة، والتي لم يستطع أحد فك طلاسيمها إلى اليوم، غير ما اعتادت عليه هذه التظاهرة التسلطية الفجة من كونها تبيح كل شيء لنفسها بالقدر الذي تحرمه على غيرها، حتى ما شابهها من مهرجانات الأقاليم والجهات؟؟."موازين"الرباط تستثمر في الرعاية المولوية السامية لجلالة الملك، في حين تستكثر على"موازين"الحسيمة مجرد إعمالها للدستور وما يتيحه من حق التظاهر السلمي للمواطنين؟؟."موازين"الرباط تتسول الشركات والمقاولات وتبتزها لإظهار الصورة على غير حقيقتها وقولها أن"العام زين"والحصاد جيد ويستحق كل الرقص والغناء ودق الطبول والأعراس، في حين أن"موازين"الحسيمة تظهر الوجه الآخر للتهميش والإقصاء و"الحكرة"والبحث عن من يخفف الأتراح و يعلق الأجراس، حتى يتعالى طنينها في كل المدينة وجاراتها والأخوات؟؟. الغريب أن"موازين"الرباط لديها كل شيء جاهز، وأقبح شيء فيها إصرارها على وصف الناس على غير ما يصفون به أنفسهم أو تدل عليه أفعالهم، فالمحتجون والمطالبون بحقوقهم في الشارع، إنما هم عندها خارجون عن القانون، يزعزعون أمن الدولة، يغررون بالمواطنين، وسيحرقون السيارات ويكسرون الواجهات، انفصاليون لهم علاقة بالخارج والأعداء، "شبعانين وما حامدينش الله"، يأكلون الغلة ويسبون الملة، يوقظون الفتنة والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها؟؟.والأغرب أن "موازين"الحسيمة قد أبانت عن وجه جديد هو في العمق وجه المغربي الجديد والذي مع الأسف لا زال العديد من أصحاب القرار ومؤسساته يتجاهلونه رغم أنهم يدركونه، لكنها لعبة التمويه والمواجهة غير الشريفة، كل مشاكلنا سياسية بالأساس، ونحن والمخزن نعرف ذلك أكثر من غيرنا، ولكننا نلبس الأمور في الغالب ملابس المطالب الاجتماعية أو الحقوق المدنية التي سرعان ما ينكشف زيفها ولدى كل الأطراف على السواء، فرحم الله من قال لست بالخب ولا الخب يخدعني، وإلا بماذا يمكن تفسير كل هذا الهدر التنموي لعقود وعقود، وهذا الانتقال الديمقراطي الذي لا زال ينتقل ويدور حول دائرته، و بماذا يمكن تفسير كل هذا الذي حدث بعد انتخابات 07 أكتوبر 2017، و كل المتاهات التي تحدث بعدها؟؟. ولان كانت الحشود الحاشدة في"موازين"الرباط قد استمتعوا حسب رأيهم وذوقهم برقصات "شاكيرا" و "لوبيز" و "ديانا" و "هيفاء"، فالحقيقة على عكس ما يقال إلهاء وتخديرا وإسرافا وتبذيرا؟؟، وفي حراك الريف وموازينها استمتعت الجماهير المتجمهرة في الميدان أيضا بنجوم ومشاهير الحراك وبوصلات ووصلات تحبس الأنفاس، فرأينا كيف تواجه العسكرة بصدور عارية شجاعة، والمخزنة بمرافعات حقوقية نارية، ورأينا معنى الحراك السلمي الهادر مجسدا في شعاره:"سلمية سلمية..لا حجرة لا جنوية، كما رأينا كيف تجاوز الحراك كل المسؤولين والسلطات والأحزاب "الكرطونية" التي اصطفت ضده، بل عراهم وأعفاهم وحملهم الناس مسؤوليتهم التاريخية بكل جرأة و وضوح وبما في ذلك القصر؟؟، رأينا كيف تتزايد أعداد الغاضبين بالآلاف ويتزايد معها التعاطف الشعبي والمؤازرة الرمزية عبر الوطن، رغم نشاز بعض التخوين والتشويه والافتراء الذي لا يصدقه حتى مشيعوه، ورأينا..ورأينا.. رفع كل الأعلام إلا العلم الوطني فناذرا ما يرفع، وهذا ما تشتم منه راديكالية نخبوية متطرفة وربما نقطة انفصالية سوداء في الحراك لا تخدم مطالبه الاجتماعية الشعبية والحقوقية العادلة ولا يسوغها أي غضب مهما بلغ، ولأنه باختصار اعتاد المغاربة في احتجاجهم وخصامهم مهما بلغ أن يرفعوا العلم الوطني وصورة جلالة الملك، وفي ذلك بالغ الرسالة و بليغ الدلالة؟؟. أن الحسيمة ليست في هذا الشأن وحدها بل إن حراكها الاجتماعي هو حراك معظم المدن والقرى في المملكة إن لم يكن كلها، بدء من حراك العيون وطنجة، وأسفي وسيدي إفني، وتازة وتنغير، واللائحة تطول؟؟.في كل يوم حراك وشراك وشباك، وقفات واحتجاجات أمام البرلمان لفئات وفئات كسر القمع المخزني ظهورها وأسال في الشارع دمائها، تظاهرات ومسيرات نحو مقرات العمالات والولايات وأمام المديريات والقطاعات، والجهات المسؤولة وكأنها على هواها، إن أرادت رخصت وتغافلت وحرست وأمنت وإن أرادت احتجت ومنعت أو حتى قمعت و ركلت وسحلت؟؟، كم من مواطن من يأسه وقهره حرق نفسه وأضرم النار في جسده أمام الملإ وعلى مرآى شاشات العالم، دون أن تلبى حاجته أو ينال حقه، فبالأحرى محاسبة ومحاكمة من ظلمه، "اللي حفر شي حفرة يطيح فيها، واللي زلق جاء على عبن قفاه"، وكأن لسان حال المسؤولين يقول:"دعه يعبر دعه يحترق، فنحن - والحمد لله - لدينا حرية التعبير وفي دولة الحق والقانون"؟؟. إن الموازين المغربية في الحقيقة، لا زالت تلح علينا في السؤال الحارق تلو السؤال، وعلى كل المسؤولين والمنظمين وحتى المتفرجين المنتشين والمشدوهين و اللامبالين، فالريف كما يقال مثلا، أليس مهمشا وفي الوطن مثله وأكثر منه تهميشا؟؟، والريف مثلا، أليس معضلة الهجرة من القرية إلى المدينة وقساوة الطبيعة و وعورة المسالك التي تقهر الجميع حتى السكان أنفسهم، ورغمها فابن الفلاح المهاجر يريد أن يصبح موظفا أو تاجرا، وإذ بالموظف قد تردى بانسداد الأفق، وإذ بالتاجر لا يغمض عينيه إلا الربح السريع على رصيف المقاهي؟؟، والريف أيضا، أليس بعض فلاحة الحشيش الحرام، والعقار الفاره الفارغ الحرام، وتراجع التدبير الترابي للمدينة التي أصبحت تستجدي العديد من خدماتها الإدارية والتعليمية والصحية في المدن المجاورة رغم البعد؟؟فقدت ، ولا خيار لأبنائه إلا هذا ولا بديل لهم عنه إلا "سبتة" و"مليلية"وطاحونة تهريبها الدولي المهين، أو الهجرة إلى أوروبا وقد كان ذلك ممكنا ومغريا واليوم بسبب الأزمة لم يعد رغم تعلق المنطقة بنمطه؟؟، والريف أولا وأخيرا، أليس تشوه لمنظورنا التنموي الذي لا زال يعتني بالعواصم والحواضر على حساب الهوامش والأرياف، ويعتني بالعمران على حساب الإنسان، حتى بقي العديد من سكان الريف يحسبون أنفسهم ريفيون أكثر منهم مواطنون لهم ما للجميع وعليهم ما على الجميع؟؟. والريف وغير الريف أخيرا، أليس غياب منظور واضح للمدينة المغربية التي نريد، وما تستلزمه منا من سياسات وحكومات ومخططات وبرامج وعدالة مجالية وميزانيات ومشاريع وشراكات وحكامات وإنجازات وتراكمات؟؟، أليس اختياراتنا السياسية عديمة الثقة والجدوى أحيانا والتي لا زال العديد من مسؤوليها وعلى أكثر من مستوى وكأنهم يمارسون سياستهم الجماعاتية والقطاعاتية والإداراتية من أدناها إلى أقصاها على بياض في بياض دون أي دفتر للتحملات ولا محاسبة أو حكامة، مما يجعل منهم قمة فساد على كراسي دوارة وفي مكاتب مكيفة و موصودة في وجه المواطنين، عاجزة عن حل مشاكلهم وتفهم حالاتهم سواء من أهواء أو تعليمات أو قلة يد وإمكان، وكأن هؤلاء المسؤولون لا يفهمون إلا لغة الشارع التي يضطرون بعدها للنزول إلى الجماهير الغاضبة يتسولونهم اللقاء والحوار والتأطير والوساطة ولكن بعد فوات الأوان؟؟، وكل هذا لا يمكن علاجه لا بالعسكرة ولا بالمواجة الأمنية، ولا بالتخوين ولا بغير ذلك من أساليب التشويه والافتراء المجاني الذي لا يصدقه حتى مشيعوه، بل دوننا ودونه فضائل الحوار والتعاون الجماعي على التفعيل الحقيقي للدستور وما يضمنه للمواطنين من حرية التعبير والمشاركة في التغيير، وما يضمنه لهم من الحقوق الاقتصادية والصحية والتعليمية وسبل العيش الكريم، وذلك هو"الريبرطوار" الاجتماعي والحقوقي لموازين الريف الذي قد يكون موجة جديدة من حراك 20 فبراير لتصحيح مسار ما أفرغ وما حرف من مخرجات الربيع المغربي الكامن والآمن كما يقول بذلك المراقبون؟؟.