بقلم مصطفى منيغ خلاصة الخلاصات إلحاق مسلسل "الشيطان" في قائمة البرنامج العام كل مساء انطلاقا من الثامنة مساءا لمدة ثلاثين دقيقة يوميا على امتداد شهر كامل. فرحتي عارمة كانت حينما استدعاني صاحب الفندق لسماع الحلقة الأولى برفقته التي قال أن الإذاعة ظلت مكررة الإعلان عن بثه بأسلوب مشوق للغاية الأمر الذي هيأ الملايين لمتابعته بشغف شديد قبل سماع ولو الحلقات الأساسية منه، الأستاذ الكيتاري نفسه ابلغني أن المدير العام ظل منتظرا مع الطاقم الفني لغاية إذاعة الحلقة التوطئة مصفقا بحرارة عند انتهائها مكلفا أحد معاونيه الإداريين إبلاغ جميع المشاركين في هذا العمل الضخم تهانيه الحارة. ... العاصمة بدت أقرب مني تلك الليلة ، عدد لا يحصى أسْمَعَتْهُ اسمي كأني جزء منها أشارك في نشر المتعة المشروعة على ألباب أبنائها البررة وخاصة في " باب الوادي" الحارة التي أحببتها لقربها الأصيل من المجتمع الجزائري الشديد التشبث بجزائريته الممتدة روحيا بالسلف الصالح المجاهد المكافح المحافظ على قيم أصوله الطيبة المغروسة جذورها في أفئدة الأجيال المتعاقبة على هذه الأرض الشريفة ، الحارة التي كان ولا زال لي فيها أصدقاء منتمين لعالم الفن والمسرح والأدب عموما ، طالما اجتمعت بهم في مقهى محاذية لشرفة اسمنية مطلة على الميناء على شكل هلال في تناغم هندسي لا تجد شبها له إلا في مدينة الإسكندرية بجمهورية مصر العربية . الجزائريون ليسوا أشرارا كما صورهم بعض الفرنسيين ، بل قوم متشبثون بأصول الوفاء والقيم الرفيعة القائمة على التعاون لمواجهة الشدائد والتضامن لمناصرة من كان بيتهم في حاجة إليهمَ ، طيبون عرَفْتُهُم لأقصى الحدود . إن احتَرَمتَهم وخاطبتهم بأدب واحترمت ما يستوجب الاحترام فيهم اطلعت على محاسن متجذرة بين جنباتهم . لا يقبلون "الحكرة" الظلم . إن فهموا دواخل قضية وقفوا منها موقف مساندة ، وإن أُبْعِدوا عن حقائقها أقل ما يفعلون التزامهم الحياد حتى يكتشفوا ما يرغبون في اكتشافه آنذاك يتصرفون كالأحرار الذين دوخوا فرسا "سبع دوخات" ليخرجوها من وطنهم مقهورة مدحورة مغلوبة ذليلة تجر أذنابها لمزبلة التاريخ . الجزائريون يغارون على بيوتهم، الأسرة عندهم بمثابة الخط الأحمر غير قابل للتجاوز أو الدخول في خصوصياته. الزوجة زوجة بمعني الشرف كله، والابنة ابنة بمعنى الأصل جميعه، والأخت أخت بمعني الكيان في شموليته. الخارج عن هذا الإجماع منبوذ ، بمن معه ،مفضوح أمره ، منزوع من مكانه ومكانته بغير استعمال القوة ، يتكفل ذاته بالتطبيق نزولا لصمت رهيب يحوم حوله وذويه كمقاطعة. الجزائريون متسامحون عن اقتناع وقناعة ، لابسين في ذلك وجوههم وليس أقنعة ، لا يتدخلون في اختيارات الآخرين إن كانت لا تمسهم قطعا ، فان زادت عن حدها المسموح به عن طواعية وطيب خاطر، ولم تنفع في الشأن الحوارات المتحضرة يتحولون لصوت واحد لا يفتر إلا بزوال من ألحق الأذى أو الضرر بهم ، لهذا كله أو جله أحببت حي "باب الوادي" المتعايشة بين جنباته الديانات السماوية الثلاث ، كقمة للتسامح السائدة بين معتنقيها هناك ، ولاحتوائه عينة خيّْرَة من الشعب الجزائري الذي أكن له المحبة والتقدير ، الذي عشتُ وسطه وقدَّرتُ ما يقدم سكانه على تباين مستوياتهم الفكرية والاجتماعية والمادية للغريب من واجب الضيافة ورحابة الإقامة والحماية المطلقة والتجاوب الأكيد مع كل جديد يضيف للخير خيرا أخير أكان استفادة من علم أو مشاركة في معروف أو نهيا عن منكر. ... حكام الجزائر على تلك الأيام (بداية السبعينيات من القرن الماضي) من طينة أخرى وجدتهم ، حريصين كل الحرص على مصالحهم الذاتية بأسلوب لا يقيم للمعارضين اعتبارا ولا يثنيهم النصح عما يخططون لتوريط هذا القطر العزيز في صراعات ابعد الشعب الجزائري عن طموحاته المشروعة في العيش الطيب الهادئ الآمن بعد مرحلة صعبة للغاية أذاق فيها (على يد الفرنسين ) كل أنواع التنكيل والعذاب القاتل والهوان والحرمان والشقاء غير المحتمل، لكن للأسف الشديد أراد قائد أول انقلاب على أول رئيس حقيقي بعد الاستقلال أن ينحرف 180 درجة بالجزائر الدولة لخوض معركة خاسرة وإدخال أنفها فيما لا يعنيها لا من بعيد أو قريب ، أن يعادي المغرب بسبب عزم المغاربة استرجاع جزء من أراضيهم التي بقيت مستعمرة من طرف الإسبان ، كنتُ هناك وهؤلاء الحكام يبعثرون أموال الجزائرين يمينا وشمالا لخلق موجة غير سليمة النية مبنية على المغالطات والافتراءات واعوجاج ما كان في التاريخ مستقيما للأخذ غدرا وطعنا من الخلف ما يعود للمغرب جوهرا وسطحا وليس ادعاءا كما فعل الهواري ومن خافه فاتبعه من جزائريين يعلمون علم اليقين أن المغاربة مظلومون في هذه القصية ظلما كبيرا، ومنذ تلك الفترة إلى الآن لم يتقدم عبد العزيز بوتفليقة خطوة إلى الأمام من أجل إعادة المياه لمجاريها بالرغم من فضل المغرب عليه عامة و وجدة المغربية خاصة حينما كان طفلا يلهو بين جاراتها وشابا يطمح ليكون شيئا فساعده أبناء تلك المدينة المجاهدة ومنهم من لا زال على قيد الحياة و هؤلاء هم مغاربة من صلب مغاربة من أرض مغربية تصون حق الجوار، وتحتضن من كان مبحوثا عنه لتضربه فرنسا بالنار ، الصور لا زالت بين أيدينا الملامح لا زالت هي هي ، التجاعيد اكتسحت المحيا لا يهم ، فمن جاء على أصله لا سؤال عليه ، كنتُ هناك وسمعتُ بالمخططات الرهيبة والمؤامرات الدنيئة التي عزم نظام بومدين مقابلة الحق المغربي بباطلها وسمعت من أفواه من كُلِّفوا بالتنفيذ. لا زلت أذكر تلك الأمسية التي رافقني فيها "كاتب ياسين" لمقر جعله مهد لقاء شبه يومي لعناصر فريقه المختارين بعناية ليفاجئوا المغرب بأول إنتاج إعلامي ضخم تدشن به الجزائر الرسمية خيانتها للمغرب ملكا وأمة وشعبا، المقر كائن بشارع الكولونيل لطفي بالعاصمة، نفسه المستعمل من طرف الإدارة الفرنسية إبان الاحتلال كمكتب للتشغيل، فأهمل لدرجة توالد فيه نوع من الفئران لم أشاهد مثلها إلا هناك ورائحة الأزبال تزكم الأنوف وبخاصة في الطابق العلوي المفروقه مساحته بجدران (لا تصل للسقف) زجاجية جردتها الرطوبة من لونها الحقيقي لتصبغها بلون العفونة التي لا تطاق ، ولما خاطبت "ياسين" عن حالة المكان الذي لا يسمح لما هو مقبل عليه، أجابني بهدوء تام بكونه الوحيد المتاح لنا من وزارة العمل وعلينا الانتظار ريثما نجد آخر أنظف منه. ابتسمت، ولما استفسرني عن سبب الابتسام، أبعدته عن الإجابة بطلب البدء في معاينة الحاجيات حتى يكون العمل الضخم في مستوى الحدث اللاّعادي. الموضوع إن أردنا الدخول في التفاصيل متعلق ب ... البقية في الجزء التالي