(Oulote) عضو المكتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل بانتقاده للتدبير الحكومي لملف التعليم ووصفه لوضع التعليم العمومي بالسيء، يؤكد الملك مواقف النقابات التعليمية من خطورة الأزمة الكارثية التي يتخبط فيها النظام التعليمي المغربي، ويفند المحاولات اليائسة الرامية إلى تحميل نساء التعليم ورجاله مسؤولية وتبعات الفشل الذريع للسياسة التعليمية المتبعة منذ عقود وانعكاساتها الكارثية على المدرسة العمومية، كما يؤكد قناعة الجامعة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل ومبدئها الراسخين، والمتمثلين في اعتبارها للمسألة التعليمية قضية وطنية ومصيرية، وليست قضية وزارة محددة أو حزب سياسي معين، بحيث أكدت وتؤكد دوما على واجب الدولة في ضمان التربية والتعليم كخدمة عمومية، وحق دستوري، في إطار من تكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروة المعرفية بين جميع أبناء الشعب المغربي، وعلى تطوير المنظومة التربوية وجعلها باستمرار ملائمة للحاجات الآنية والمستقبلية للبلاد، وتحسين أداء المدرسة العمومية والرفع من مستواها لجعلها قادرة على مواكبة التحديات المطروحة في مجالات تطوير الإنتاج وقواه، والنهوض بالعلوم والتكنولوجية، اعتبارا لما للتعليم العمومي من دور استراتيجي وحاسم في مصير الوطن ووحدته, وفي تنمية البلاد ونهضتها الشاملة. ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن جذور تدهور التعليم وفشل جميع المحاولات الإصلاحية تكمن في اختيارات الدولة، التي ظل هاجسها هو التخلص من التعليم كخدمة عمومية بمنظور تقنوقراطي مالي، ضيق، خاضع لإملاءات الدوائر المالية الدولية وضغوطاتها القاضية بتقليص الاعتمادات المتعلقة بالقطاعات الاجتماعية، وفي مقدمتها قطاع التعليم، حيث ترك التعليم العمومي يغرق في مشاكله ويتفكك في نفس الوقت الذي يتم فيه التشجيع بسخاء لكافة أشكال التعليم الخصوصي، وهو ما شكل تراجعا عن مبدأ مجانية التعليم وعرقلة كبيرة أمام تكافؤ الفرص بين جميع أبناء الوطن، وتكريسا للنخبوية والتمييز الاجتماعي بكل مظاهره. أما من جهة أخرى، فبالرغم من شعارات الإصلاح الاستهلاكية والتبذير المهول للمال العام في مخططات ومواثيق وبرامج فاشلة، فإن استفحال أزمة المنظومة التربوية وتعمق اختلالاتها وما آلت إليه المدرسة العمومية من تدهور، مرده إلى انعدام رؤية استراتيجية واضحة لدى الوزارة لتدبير هذا القطاع الحيوي والمصيري وإلى افتقارها لأي تصور إصلاحي للمناهج والبرامج، ترقى بالمدرسة العمومية إلى مستوى الاستجابة لتحديات العصر وتطوراته العلمية والتكنولوجية ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ناهيك عن إهمالها للطاقات البشرية المكونة لأسرة التربية والتعليم والتكوين كدعامات أساسية لأي إصلاح حقيقي منشود، وسوء تدبير شؤونها، وعدم الاهتمام بها من حيث التكوين الجيد وتوفير وسائل العمل الضرورية والبيئة التربوية السليمة واللائقة للتدريس، وتحسين أوضاعها الاجتماعية والمادية والمهنية. فهل سيتم الإصلاح الموعود ويتجاوز التعليم العمومي أزمته البنيوية بتغيير الوزير الحالي في إطار تشكيل النسخة الثانية للحكومة المرتقبة؟ قد لا يجادل أحد في ما لشخصية الوزير ومستواه التكويني وأسلوبه في تسيير القطاع وامتلاكه المهارات الكافية لتدبير شؤونه من أهمية، ولكن المسألة أبعد من ذلك، بحيث لا يمكن الحديث عن حل أزمة التعليم بانفصال عن ضرورة تجاوز فشل الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة. فإنجاز الإصلاح الحقيقي المنشود، يستوجب بالضرورة إحداث قطيعة جذرية مع كل المقاربات والاختيارات التي أدت إلى اختناق النظام التعليمي المغربي. وهذا يتطلب إقرار سياسة اجتماعية حقيقية، وتوفر إرادة سياسية صادقة لإرساء دعائم نظام تعليمي ديمقراطي، يضمن لأبناء الجماهير الشعبية حقهم في تعليم عمومي جيد، باعتبار أن التعليم يمثل ميدانا هاما لامتحان مدى حقيقة البعد الاجتماعي لأية اختيارات سياسية، بمعنى أن السياسة التعليمية هي انعكاس لسياسية الدولة المطبقة في القطاعات الأخرى، وهذا يستدعي بالضرورة إيقاف الهجوم على القدرة الشرائية لعموم المواطنات والمواطنين، ذلك أن التعليم على عكس ما تصوره السياسة الرسمية وكأنه مفتوح للجميع، فإنه في الحقيقة هو في متناول من استطاع إليه سبيلا فقط، لأن المتطلبات المادية لتعليم الأبناء تزايدت، والأوضاع الاجتماعية تفاقمت، والجماهير الشعبية لا تقف عاجزة فقط أمام مستلزمات تعليم أبنائهم بل أمام أبسط حاجيات العيش في حده الأدنى. ما جعل الجامعة الوطنية للتعليم تحذر من خطورة واقع التعليم العمومي وما آل إليه بكل أسلاكه، من انحطاط وانهيار، باعتراف من أعلى سلطة بالبلاد، وكانت دائما تدق ناقوس الخطر وتدعو في كل مناسبة إلى فتح حوار وطني لتقييم السياسة التعليمية المنتهجة وتشخيص بدقة أعطاب المنظومة التربوية بأكملها انطلاقا من مقاربة مسح شمولي عمودي وأفقي لكافة مصادر خلل النظام التعليمي ومظاهره، وأسباب توالي إخفاقات محاولات الإصلاح السابقة، واستشراف آفاق تجاوز الأزمة البنيوية التي يتخبط فيها التعليم العمومي وتحديد أسس إصلاحه لإنقاذه من الانهيار التام. وفي هذا السياق لا بد من التأكيد كذلك على أن الإصلاح الحقيقي للمنظومة التربوية رهين بسن سياسة تعليمية ترد الاعتبار لنساء التعليم ورجاله ولرسالتهم التربوية النبيلة بما يستجيب لمطالب كافة فئاتهم، وإصلاح الوضع المزري للمؤسسات التعليمية وحماية حرمتها، وتوفير الأطر التعليمية الكافية مع ضمان تكوينها الجيد والمستمر وتحفيزها وإحاطتها بما تستحقه من تقدير وعناية وارتقاء بمكانتها الاجتماعية، وتشجيع الفكر النقدي الحداثي والعقلاني عوض المضامين المتخلفة التي تهيمن في البرامج والمقررات الدراسية.