الرباط: عبد اللطيف حموشي يستقبل المديرة العامة لأمن الدولة بمملكة بلجيكا    بعد لقاء المفوض الأوربي مع بوريطة.. هل يلتزم الاتحاد الأوربي بشراكته الاستراتيجية مع المغرب عبر خطوات ملموسة تلبي تطلعات المملكة؟    الجزائر … تحتضن أعوانها في انفصال الريف    أخبار الساحة    ريال مدريد يعلن غياب فينسيوس بسبب الإصابة    «الأيام الرمادية» يفوز بالجائزة الكبرى للمسابقة الوطنية بالدورة 13 لمهرجان طنجة للفيلم    في لقاء عرف تفاعلا كبيرا .. «المجتمع» محور لقاء استضافت خلاله ثانوية بدر التأهيلية بأكادير الكاتب والروائي عبد القادر الشاوي    تكريم الكاتب والاعلامي عبد الرحيم عاشر بالمهرجان الدولي للفيلم القصير بطنجة        انعقاد مجلس للحكومة يوم الخميس المقبل    "الاتحاد المغربي للشغل" يقدم للحكومة ملاحظاته على مشروع قانون الإضراب ويرفض تقييد وتجريم هذا الحق الدستوري    بعد رفض المحامين الدفاع عنه.. تأجيل محاكمة "ولد الشينوية"    البنك الدولي: المغرب يتصدر مغاربيا في مؤشرات الحكامة مع استمرار تحديات الاستقرار السياسي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    الشرطة توقف مسؤولة مزورة بوزارة العدل نصبت على ضحايا بالناظور    الاتحاد الإفريقي يعتمد الوساطة المغربية مرجعًا لحل الأزمة الليبية    وسط صمت رسمي.. أحزاب مغربية تواصل الترحيب بقرار المحكمة الجنائية وتجدد المطالبة بإسقاط التطبيع    انتخاب عمدة طنجة، منير ليموري، رئيسا لمجلس مجموعة الجماعات الترابية "طنجة تطوان الحسيمة للتوزيع"    استئنافية فاس تؤجل محاكمة حامي الدين إلى يناير المقبل    جماعة أكادير تكرم موظفيها المحالين على التقاعد    صنصال يمثل أمام النيابة العامة بالجزائر    بورصة البيضاء تفتتح تداولات بالأخضر    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز 'بوينغ 787-9 دريملاينر'    العالم يخلد اليوم الأممي لمناهضة العنف ضد النساء 25 نونبر    أرملة محمد رحيم: وفاة زوجي طبيعية والبعض استغل الخبر من أجل "التريند"    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    لماذا تحرموننا من متعة الديربي؟!    أسعار الذهب تقترب من أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع    النفط يستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين بدعم من توترات جيوسياسية    "الكاف" يقرر معاقبة مولودية الجزائر باللعب بدون جمهور لأربع مباريات على خلفية أحداث مباراتها ضد الاتحاد المنستيري التونسي        إيرادات فيلمي "ويكد" و"غلادييتور 2″ تفوق 270 مليون دولار في دور العرض العالمية    تقرير: جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل عشر دقائق في العالم    تيزنيت: شبان يتحدون قساوة الطبيعة وسط جبال « تالوست» و الطريق غير المعبدة تخلق المعاناة للمشروع ( فيديو )    تقرير : على دول إفريقيا أن تعزز أمنها السيبراني لصد التحكم الخارجي    6 قتلى في هجوم مسلح على حانة في المكسيك    أونسا يوضح إجراءات استيراد الأبقار والأغنام    مدرب مانشيستر يونايتد يشيد بأداء نصير مزراوي بعد التعادل أمام إيبسويتش تاون    مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر        استيراد الأبقار والأغنام في المغرب يتجاوز 1.5 مليون رأس خلال عامين    تحالف دول الساحل يقرر توحيد جواز السفر والهوية..    رياض مزور يترأس المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بالعرائش    تصريحات حول حكيم زياش تضع محللة هولندية في مرمى الانتقادات والتهديدات    الإمارات تلقي القبض على 3 مشتبه بهم في مقتل "حاخام" إسرائيلي    بسبب ضوضاء الأطفال .. مسنة بيضاء تقتل جارتها السوداء في فلوريدا    انطلاق حظر في المالديف يمنع دخول السجائر الإلكترونية مع السياح    جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر على مفترق الطرق

مع فجر يوم الأربعاء 14/8/2013، اقتحمت قوات الأمن المصرية مسنودة بقوات من الجيش وعناصر مسلحة بلباس مدني معتصمي رابعة العدوية والنهضة، مما أدى إلى مجزرة غير مسبوقة على مستوى العالم.
أرقام القتلى من رجال ونساء وأطفال بدت مرتفعة منذ الساعة الأولى من الاقتحام، ولم تستطع السلطات المصرية أن تقنع العالم بعكس ما كان يدلي به الأطباء من المستشفى الميداني برابعة العدوية والمتحدثون إلى وسائل الإعلام الأجنبية حول حقيقة ما يجري في عين المكان، ليتأكد بعد أقل من 24 ساعة فقط أن عدد القتلى قارب ال700 قتيل، وأن عدد الجرحى تجاوز الأربعة آلاف بإصابات متفاوتة الخطورة.
حدث ذلك بشكل فاجئ حتى بعض أعضاء الحكومة المؤقتة وفي مقدمتهم نائب رئيس الجمهورية المؤقت الدكتور البرادعي، رغم أن وزير الداخلية المصري كان قد هدد بشكل متواصل بأنه سيلجأ لفض الاعتصام بالقوة إدا استدعى الأمر ذالك، بل وألمح إلى اقتراب موعد التدخل.
الخطوة الخطيرة هذه سبقها أيضا تعيين 17 محافظا عسكريا أيضا، في إشارة تركت الانطباع إلى أن المؤسسة العسكرية تتجه من وراء واجهة الحكومة المدنية إلى التغلغل في مؤسسات الدولة.
مفاجأة المجزرة، ترتبت عليها مفاجآت مضادة، تمثلت في استقالة الدكتور البرادعي (الليبرالي) من منصبه، وإعلانه أن هذا الإجراء الخاطئ قطع الطريق على حلول سياسية كانت ما تزال ممكنة.
ردود فعل دولية أيضا تمثلت خصوصا في إدانة صريحة من طرف فرنسا وبريطانيا وأستراليا، إلى جانب دول إسلامية وعربية في مقدمتها تركيا وقطر وتونس، قبل أن يلتحق بالركب البيت الأبيض وبقية الدول مرورا بالأمين للأمم المتحدة وصولا إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن ليلة الخميس/الجمعة، انتهى إلى بيان يدعو المصريين إلى "أقصى درجات ضبط النفس". ومن دون الذهاب إلى حد الإدانة التي صدرت عن الأمانة العامة للأمم المتحدة قبل ذلك.
لكن كان واضحا منذ البداية أن مجلس الأمن الذي انعقد بطلب من فرنسا وبريطانيا، كان يسعى إلى إشعار السلطات المصرية أن الوضع المصري أصبح تحت المراقبة الدولية.
مجريات رد الفعل الدولي توازت أيضا مع إعلان الرئيس المؤقت عدلي منصور عن حالة الطوارئ لمدة شهر، وهو ما لقي رد فعل سلبي إضافي من المجتمع الدولي وفي مقدمته البيت الأبيض، حيث بادر الرئيس الأمريكي إلى المطالبة بإلغاء قانون الطوارئ، بموازاة إعلانه عن إلغاء مناورات "النجم الساطع" التي كان مقررا إجراؤها بين القوات الأمريكية والمصرية وهي مناورات جرت العادة أن تتم مرة كل عامين.
إنتهاء تطورات المشهد المصري إلى هذه النتيجة، يستدعي البدء من البداية بما يتضمنه تسلسل الأحداث من قراءات ضرورية واستنتاجات تفرض نفسه.
تسلسل الأحداث التي أطاحت بالإخوان في مصر
في بيان موجه من القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية إلى الطبقة السياسية في مصر، نقلته وسائل الإعلام يوم الإثنين فاتح يوليوز، أمهل الجيش المصري أطراف الصراع 48 ساعة لإيجاد مخرج لخلافها، وإلا فإن الجيش المصري سيفرض على الجميع خارطة طريق تشرف مؤسسة الجيش على وضع إجراءاتها وتنفيذها.
في غضون ذلك، كان الشرط الذي رهن به الجيش عدم لجوئه إلى التدخل لافتا ومحددا للجهة التي يخاطبها حصريا ببيان المهلة، حين لخص الشرط في "استجابة لمطالب الشعب."
وإذا كان الجيش المصري، قد أورد لاحقا تصحيحا مهما لبيانه الذي فتح الباب لتأويلات عدة أبرزها أن تكون للجيش نية استلام الحكم بدلا عن النخب السياسية، فإن المقصود ببيانه ظل كما هو، أي حزب الحرية والعدالة الذي يحكم مصر من موقع الرئاسة، ومن ورائه تيار الإخوان المسلمين.
في وقت لاحق، وتحت إلحاح فئة عريضة من مساندي الرئيس التي كانت تطالب الرئاسة بالتحرك وإعلان موقفها من اتجاه الأمور إلى الانقلاب على شرعية الصناديق، وبعدما بدأت هذه الأصوات ترتفع في اتصالات فردية مع بعض القنوات التلفزيونية خرج بيان من الرئاسة المصرية يؤكد، على أن الرئيس لم يستشر من قبل الجيش حول البيان الذي أصدره هذا الأخير، وأنه لم يطلع عليه ولم ينل موافقته. وأكد بيان الرئاسة من جديد، على تعبير : الشرعية خط أحمر.
هو أيضا نفس الموقف الذي ردت به أحزاب التحالف الوطني التي تضم إلى جانب حزب الحرية والعدالة مجموعة أخرى من الأحزاب ذات الطابع الديني في المجمل، خلال مؤتمر صحافي عقدته فجر يوم الثلاثاء 2 يوليوز 2013.
ما رأي الولايات المتحدة ؟
في سياق تلاحق فصول الاحتجاج الذي قادته جبهة الإنقاذ مدعومة بما يسميه المصريون "فلول النظام السابق" والذين فتح لهم الدكتور البرادعي الباب للعودة إلى ممارسة السياسة في حزبه، اتجهت أنظار النخبة السياسية المصرية إلى موقف الولايات المتحدة كما هي العادة.
فهذه الأخيرة، ليس خافيا أن لها صلة قديمة بالجيش المصري ليس فقط كونها تقدم منحة سنوية للمؤسسة العسكرية المصرية، بواقع 1.3 مليار دولار موزعة بين منح وقروض عبر نظام التمويل العسكري الخارجي لكنها أيضا تمثل بالنسبة للمؤسسة العسكرية المصرية المصدر الأساسي للتمويل بالسلاح والتدريب. علما أن ال80 في المائة م ن تكاليف الجيش المصري مرتبطة بالولايات المتحدة كمصدر للتسلح والتزود بالأنظمة العسكرية. ويكفي أن نعرف بأن مصر تعتبر الدولة الرابعة من حيث التزود بطائرات ف16 الأمريكية المتطورة، إضافة إلى 4000 دبابة متطورة كلها من مصدر أمريكي.
هذه العلاقة إذن ليست وليدة الأمس القريب ولكنها تأسست على مدى العقود الطويلة التي حكم فيها المشير محمد أنور السادات، وبعده الضابط الطيار محمد حسني مبارك، الذي زجت به الثورة المصرية في غياهب السجن، على خلفية فساد في الحكم وفي الذمة المالية له ولأسرته ومحيطه.
وبطبيعة الحال، فأمريكا المهتمة أساسا بمصالحها وبمصالح الدولة العبرية، كان موقفها في الموعد.
فسواء من خلال المناشدة بتجنب العنف والاحتكام إلى الديمقراطية، أو من خلال اتصالاتها المباشرة بقيادة الجيش، وهي اتصالات على أية حال تتوزع بين استطلاع الوضع وبين التوجيه (غير المحرج) للحفاظ على المصالح المشار إليها، تعاملت أمريكا بنفس الموقف وبنفس التعبيرات التي لجأت إليها خلال أيام الثورة على (حليفها) السابق حسني مبارك، في انتظار أن تتضح الأمور.
لكن وأمام السرية أو (التقية) التي تعامل بها الإخوان المسلمون مع الموقف الأمريكي، بحيث نأوا بأنفسهم عن إشارات في اتجاه واشنطن سواء لاستجداء المساندة أو إظهار العداء، لم يتردد المتظاهرون ضد حكم الإخوان في رفع رايات تساوي بين إسرائيل وأمريكا وقطر، كما حدث في ميدان التحرير الذي تولت ضبطه لجان شعبية تحت إشراف أحزاب جبهة الإنقاذ وشباب الثورة.
انتصار (شرعية) الشارع على الشرعية الدستورية
الرئيس المصري محمد مرسي، وعلى عكس ما كان يحلم به معارضوه من قيادات جبهة الإنقاذ الوطني، من انصياعه لمطالبهم، وعلى رأسها إعلان إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، خاصة تحت ضغط جزء من الشارع وتحت ضغط الرسالة المشفرة التي بعثت بها المؤسسة العسكرية كونها "منحازة إلى الشعب" واشتراطها في بيان المهلة "الإستجابة إلى مطالب الشعب"، فاجأ الجبهة المعارضة بخطاب ليلة الثلاثاء 2 يونيو 2013 بإعلانه التمسك بالشرعية الدستورية، وبكون المرجع الوحيد هو صندوق الاقتراع الذي جعله على رأس الدولة المصرية قبل عام من الآن (يونيو2012).
خطاب الرئيس المصري والذي يعتبر أول رئيس مدني لمصر جاء عبر انتخابات حرة، كان حازما، كما كان واضحا في رسائله الموجهة في آخر شريط فيديو بثته الجزيرة ليلة تنحيته في مطالبة مؤسسة الجيش بعدم التدخل في الشأن السياسي، لأن دورها كما أعاد الرئيس الدكتور مرسي تأكيده هو الحفاظ على أمن مصر وحدودها معيدا التأكيد على وقوفه وراء المؤسسة للقيام بدورها في هذا الإطار.
الجيش يحتمي من الإخوان بالأزهر والنور و الكنيسة
في المقابل وبعد الخطاب الثاني لمحمد مرسي والذي أعلن فيه تمسكه بمنصب الرئاسة ودعا في المصريين إلى تجنب العنف، كان من أبرز الحضور في الاجتماع الذي دعت إليه رئاسة أركان الجيش كافة الأطراف السياسية والشبابية (6 أبريل وتمرد) ماعدا حزب الحرية والعدالة الذي رفض الاستجابة كل من شيخ الأزهر ممثلا لا عرق مؤسسة دينية رسمية في مصر، وحزب النور الإسلامي إلى جانب زعيم الكنيسة القبطية البابا توا ضروس الثاني.
بهذه الأطراف الدينية بما تمثله من رمزية في المجتمع المصري، كان واضحا منذ البداية أن المؤسسة العسكرية تسعى في إطار البحث عن مخرج للازمة يكون كبش فدائه الرئيس المنتخب، و أنها تحاول اختراق التيار الديني للإخوان المسلمين وإضعاف تماسكهم على قاعدة الدين، من خلال ورقة الأزهر وحزب النور، وحتى إذا لم يكن هذا الاستعمال واضحا بهذا المعنى الحاد، فقد كان المقصود بذلك طبعا، أن مسألة الدين والشريعة ليست في صلب معادلة الانقلاب.
وللتأكيد على هذا المنحى، صدر بلاغ إضافي من المؤسسة العسكرية فجر يوم الخميس 4/7/2013 يحذر من التعرض بأي سوء أو تحقير للمنتسبين إلى تيار الإخوان المسلمين، في خطوة صريحة من الجيش نحو التوجه إلى التهدئة و ترك الباب مفتوحا للمصالحة الوطنية التي تتمسك بها جميع الأطراف في الساحة السياسية، عدا أصوات من هنا وهناك لا تمثيلية لها داخل الطيف السياسي أو الجمعوي والشبابي في مصر.
لكن هل سارت الأمور في الواقع على هدا النحو؟
عمليا، أقدم الجيش على إجراءات تعد بمنطق الانقلاب احترازية وضرورية، لكن بمنطق الحريات وحقوق الإنسان لا يمكن تبريرها، خاصة وأن الأمر يتعلق بطرف يتمسك بالسلمية في الدفاع عن موقفه من الانقلاب، وتمسكه بالشرعية الدستورية، في مقابل تمسك الطرف المنقلب بذريعة "الشرعية الثورية و الشعبية"."
في هذا الإطار، أقدمت مؤسسة الجيش على إغلاق خمس قنوات تلفزيونية محسوبة على تيار الإخوان المسلمين في خطوة أولى قبل أن يرتفع عدد القنوات التي تعرضت للإغلاق في ظرف ساعات معدودة إلى 16 قناة. هذا بالإضافة إلى اعتقال عدد من الصحفيين. كما أقدمت قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية على اقتحام مكتب الجزيرة والتحفظ على طاقم المكتب، رغم أن هذه القناة كانت متوازنة في بث المشهد المصري وفي استضافة المعلقين عليه، ولعل ما يؤكد ذلك، أنه في اللحظة التي تمت فيها عملية الإقتحام، كان ضمن الموجودين داخل المكتب منتسبون إلى تيارات مناهضة لحكم مرسي مثل التيار الشعبي.
الاعتقالات لم تقف عند هذا الحد وقد طالت أيضا ما يفوق 300 قيادي من الإخوان المسلمين ضمنهم، نائب المرشد العام ورئس حزب الحرية والعدالة. هذا بينما اتجه المنقلبون إلى متابعة رئيس الحكومة هشام قنديل أمام القضاء, بتهم بعضها يتعلق ب"التحريض على العنف" وبعضها بتهم إهانة القضاء وأخرى على خلفية أحداث تعود إلى فترة حكم مبارك.
هذا رغم بيان لاحق للقوات المسلحة المصرية توجه في التحذير إلى كل من يهين منتسبا إلى تيار الإخوان المسلمين أو يتعرض له بسوء.
سباق الوساطات
في زحمة هذه التطورات اتجهت الأنظار إلى رد فعل المجتمع الدولي. وبدا أن طرفي الصراع أصبح كل منهما يتطلع إلى دعم خارجي يعزز موقفه وسارت الأمور على النحو التالي :
في الثامن والعشرين من شهر يوليوز 2013، تزامنت ثاني زيارة تقوم بها منسقة السياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي إلى القاهرة، مع وجود وفد دبلوماسي إفريقي بالعاصمة المصرية، وهي الزيارة الثانية لها في أقل من أسبوعين.
بالنسبة لوفد الإتحاد الإفريقي.المهمة بدت واضحة، فدول الإتحاد الإفريقي كانت أقدمت بعد يوم واحد من الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي على تعليق عضوية مصر عقابا لها على ما اعتبرته انقلابا عسكريا على رئيس دولة وصل إلى سدة الحكم عن طريق صناديق الاقتراع..
لكن هذه الخطوة رأت فيها مصر إجراء قاسيا ومبنيا على سوء فهم لما جرى، ولذلك فقد سارعت القاهرة إلى بعث موفد لها من طرف الرئيس المؤقت (رئيس المحكمة الدستورية السابق عدلي منصور) ليشرح للأفارقة الحكاية التي لم تجد من يصدقها خارج صفوف السلطة الجديدة و أنصارها عدا بعض دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات على الخصوص لاعتبارات تخصهما.
وملخص الرواية التي أوفدت مصر من يقنع بها الأفارقة، هي أن ما حدث ليس انقلابا ولكنه تدخل من طرف المؤسسة العسكرية بناء على مطلب شعبي وتفويض للمشير عبد الفتاح السيسي، لإنقاذ الديمقراطية من انحراف قاده إليها الإخوان المسلمون باسم الشرعية الدستورية وبالتالي، كانت تظاهرة الثلاثين من يونيو المطالبة بإسقاط الرئيس محمد مرسي هو ما حصل في الثالث من يوليوز 2013.
بيد أن الأفارقة لم يبدوا اقتناعا برواية الحكام الجدد، خاصة أن ردود الفعل الدولية من خارج القارة الإفريقية نفسها كانت إلى جانب الرئيس المنتخب بدرجات متفاوتة، أقلها وضوحا هو الموقف الأمريكي.
لذلك، وجد الأفارقة أنفسهم بين خيارين يصعب الحسم فيهما لصالح طرف على حساب الآخر، ومن هنا بدا موقف الإتحاد الإفريقي مطبوعا بنوع من التراجع لفائدة وساطة بين أنصار الرئيس المعزول وحكام 3 يوليوز، فكانت الرحلة إلى القاهرة التي قام بها وفد عن الإتحاد الإفريقي يتكون من 9 أعضاء برئاسة الرئيس المالي السابق ألفا عمر، والذي زار بعد أيام على وجوده بالقاهرة الرئيس المعزول محمد مرسي في معتقله بإذن من السلطة الجديدة طبعا، وكان ذلك بعد يوم واحد فقط على الزيارة التي قامت بها موفدة الإتحاد الأوروبي كاترين أشتون إلى مرسي ليلة الإثنين/الثلاثاء 30/29 يوليوز.
وللتذكير فإن 30 يوليوز هو نفس التاريخ الذي طالبت فيه باريس بإطلاق سراح الرئيس المعزول بما يمكن اعتباره استباقا من فرنسا لحصد ثمار محتملة من تحركات أشتون في هذا الاتجاه، أكثر مما هو موقف داعم لجهود منسقة السياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي. فداخل الإتحاد الأوروبي بدت هناك أيضا على هامش تطورات المشهد المصري، فرص سانحة للتسجيل للاتحاد الأوروبي وخاصة فرنسا ذات الحضور في المشهد الإفريقي، لتحجيم النفوذ الأمريكي لصالح أوروبا، علما أن الولايات المتحدة فقدت الكثير من ثقلها في مصر منذ بداية ثورة 25 يناير 2011، بسبب الغموض وانتظار من ستؤول إليه الغلبة. لذلك رأينا ردود فعل سلبية تجاه الولايات المتحدة من طرف متحدثين باسم الفريقين المتصارعين في مصر (الإخوان والعلمانيون والمؤسسة العسكرية أيضا ولو بشكل محتشم) في هذا السياق إذن، بدا الدور الأوروبي مركزا على القيام بوساطة مؤثرة وحتى أكثر ذكاء، وبدا الدور الإفريقي من خلال الإتحاد الإفريقي دورا موازيا. ومثلما كان التكثم على ما جرى خلال لقاء أستون بمرسي سيد الموقف، لم يفصح الوفد الإفريقي بدوره عما جرى، ولا عما استخلصه من لقاء الرئيس المعزول. بل أن الوفد الإفريقي على عكس كاثرين أشتون التي تحدثت في ندوة صحفية مشتركة مع وزير الخارجية في الحكومة المصرية المؤقتة، ظل أعضاؤه متسمرين إلى جانب الوزير المصري وهو يدلي بتصريحات للصحافة عن علاقة مصر الودية مع محيطها الإفريقي.
ولابد هنا من التذكير أن زيارة الرئيس المعزول سواء من طرف كاترين أشتون أو الوفد الدبلوماسي الإفريقي لم يسمح بها إلا بعد أن رفض قادة الإخوان المسلمين (عصام العريان وخيرت الشاطر) استقبالهما ونصحاهما بالتوجه إلى محاورة الرئيس الشرعي وهو ما تم بالفعل.
وسواء بالنسبة لزيارة أشتون كما بالنسبة لزيارة الوفد الإفريقي فأن وضع السلطات المصرية (الإنتقالية) كان مطبوعا بالحرج والارتباك ولأسباب عديدة أبرزها :
أن جهود الوساطة الأوروبية والإفريقية تزامنت مع تفويض وزير الداخلية المصري بفض اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة مباشرة بعد المجزرة التي شهدها ميدان رابعة العدوية والتي راح ضحيتها 75 معتصما سلميا وجرحى قدر عدد الحالات الخطيرة من بينهم (حالات موت سريري) ب 120 حالة حسب الناطق الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين وأيضا حسب رئيس المستشفى الميداني الذي قال تصريح مباشر بثته قناة الجزيرة، أن إطلاق النار من طرف قوات الأمن كانت بالذخيرة الحية وبشكل مباشر وعلى الأطراف العليا للضحايا.
العد العكسي لمساندة العسكر
ردود الفعل الرسمية الدولية على هذه المجزرة، إضافة إلى ردود الفل الدولية المدنية والحقوقية مثل تلك الصادرة عن منظمة أمنيستي ووتش رايتش والمنظمة العربية لحقوق الإنسان، وجمعية "ضمير" أفسدت خطة الجيش والحكومة والرئاسة المؤقتة في الإنتقال من مرحلة إلى أخرى بسرعة في فض الإعتصامات المؤيدة للرئيس المعزول، والميل إلى التأني تجنبا لإراقة مزيد من الدماء وبالتالي التعرض للمزيد من العزلة والإدانة الدولية وهو ما من شأنه المساهمة في فقدان المؤسسة العسكرية لسند بعض القوى السياسية والتنظيمات الشبابية خوفا على فقدان مصداقيتها، باعتبار ما يشكله ذلك من خدش لخطابها حول الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وقد رأينا كيف تراجعت حدة الاندفاع وراء الجيش والخيار الأمني من طرف حركة 6 أبريل وبعض التردد لدى حركة تمرد، بل ولوحظ أن هناك نوعا من المنافسة بين التنظيمات الشبابية في محاولات للتموقع عاى الحياد خوفا من أن يكتسب أحدها المصداقية على حساب الآخر بمعيار درجة الانحياز إلى الجيش أو الدولة المدنية والحقوقية..
في هذا الإطار سارع عدد من شباب 6 أبريل إلى دعوة شباب الإخوان لإفطار جماعي بالأزهر ومناقشة المصالحة الوطنية، فيما كانت حركة "ضمير" صريحة في اعتبار ما وقع انقلاب على الشرعية، وقد استضافت قناة الجزيرة في برامج حوارية الممثلة لهذه الجمعية والتي وصفت عزل الرئيس المنتخب "بانقلاب وجريمة".
أما الدكتور البرادعي الحاصل على جائزة نوبل ورئيس الحزب الدستوري الذي ولي منصب نائب للرئيس المؤقت، والذي فتح الباب قبيل 30 يونيو للمنسبين السابقين للحزب الوطني المنحل (حزب مبارك) ليلجوا السياسة من جديد عبر حزبه، فقد أصبح يدلي بتصريحات يؤكد فيها على ضرورة الحفاظ على الحق وحرية التعبير والحق في سلمية الاعتصام, وبدا أنه على خلاف مع أغلبية المكون الحكومي الجديد.
القضاء في خدمة الجيش
غير أنه مع مرور الساعات بدأ تحرك موازي لمؤسسة القضاء، وهي مؤسسة أصبحت تصدق عليها اتهامات الإخوان المسلمين بالانحياز إلى أوامر المؤسسة العسكرية وبكونها من بقايا نظام حسني مبارك.
فتحركت النيابة العامة لملاحقة قادة الإخوان بتهم بدت استنساخا لما كان يروجه جهاز الأمن ومن خلاله بعض المسخرين حسب تسمية (باحثين ومحللين) في إطار عملية منسقة بين الإعلام والمؤسسة العسكرية والأمنية والقضاء ضد قيادات الإخوان فقط في مرحلة أولى، ثم ضد الإخوان بصفة عامة بعدما فشل الجيش والمنظمات والأحزاب الموالية لهم في إحداث شرخ بين قيادة الإخوان وشباب الإخوان. فتم على صعيد الإعلام الرسمي المصري ترويج ما تحبكه السلطات الأمنية والقضائية ضد المعتصمين باتهامات بدت مسرحية وخالية من كل مصداقية أو جدية، من قبيل القتال وحيازة السلاح في أماكن الاعتصام و"القتل وحيازة الأموال" وتسريب وثائق طافحة بالتزوير في هذا الإطار، بل وأنه تم إقحام حماس في الموضوع واتهم الرئيس المعزول بالتخابر معها.
أكثر من ذلك أضيفت إلى الرئيس المعزول تهمة الهروب من السجن, والمقصود هنا هو خروجه من السجن رفقة قادة آخرين من الإخوان كانوا محتجزين في السجن بقرار إداري لإبعادهم عن المشاركة في التظاهر ضد نظام حسني مبارك. من هنا إذن، بدا أن مصر تتجه إلى السقوط في السيناريو الجزائري لكن مع بعض الفوارق في المقدمات والتفاصيل من المفيد الحديث عنها بالوقائع والمقارنات.
ثمن الفوز الديموقراطي
في الحالة الجزائرية يروي وزير الخارجية الجزائرية على عهد الشاذلي بن جديد الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، وهو أحد الوجوه البارزة في حزب جبهة التحرير كيف أن الراحل عبد القادر الحشاني القيادي حينها في جبهة الإنقاذ الجزائرية، زاره في بيته مباشرة بعد فوز هذا الحزب الإسلامي بالدور الأول من الانتخابات التشريعية، وكيف أن الإبراهيمي عبر لحشاني عن خوفه من هذا الفوز ونصحه بعدم الانصياع لغرور الفوز.
ويقول الإبراهيمي أن الحشاني عاد إليه بعد أيام ليلتقيا في نادي بالعاصمة الجزائرية، وهناك اقترح عبد القادر الحشاني على الإبراهيمي إبلاغ الشاذلي بن جديد باستعداد جبهة الإنقاذ لعدم المشاركة في الدور الثاني للانتخابات تجنبا لفوز كلي وساحق بعد أن فازت في الدور الأول ب187 مقعدا من أصل 231 مقعدا في البرلمان، وهو ما يمثل 80 بالمائة من المقاعد. أكثر من ذلك، يروي أحمد طالب الإبراهيمي في شهادته، أن عبد القادر الحشاني اقترح أن تقوم جبهة الإنقاذ الإسلامية بدعم مرشحي جبهة التحرير الوطني في الدور الثاني. أما بخصوص تشكيل الحكومة، فقد اقترح القيادي الإسلامي الراحل، أن تقتصر مشاركة الإسلاميين بتولي ثلاثة مناصب وزارية فقط على أن تشمل وزارة الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية، مع التنازل عن منصب رئاسة الحكومة.
غير أن الذي حدث، هو أنه بدل الاستجابة لهذا الاقتراح المشفوع بتنازلات هائلة والذي سهر الرئيس الشاذلي بن جديد لنقله إلى هذا الأخير، تم استباق العرض السخي بعزل الرئيس بن جديد يوم 1992/01/04 أي بيوم واحد فقط على الاقتراح وبذلك تم الانقلاب على الرئيس ومن خلاله على عرض الإسلاميين وعلى نتائج الانتخابات.
وهنا فقط ظهرت في المشهد صورة الحضور القوي للجنرال العربي بالخير الذي كان ضابط إيقاع حلف مؤسسة الرئاسة، وصار بعد ذلك إلى صنع الانتخابات الرئاسية التي جاءت بعبد العزيز بوتفليقة إلى سدة رئاسة الجمهورية، لكنها جاءت قبل ذلك بحرب أهلية حصدت أزيد من 200 ألف جزائري.
إنما وقبل الوصول بالجزائر إلى أتون حرب أهلية نتيجة لهذا السلوك العسكري، لابد من التذكير، أن مؤسسة الجيش الجزائري كانت قد استبقت العملية الانتخابية لسنة 1991، بالترخيص لحزب حماس بزعامة محفوظ نحناح، وهو تيار كان محسوبا على الإخوان المسلمين، وحزب النهضة الإسلامية برئاسة عبد الله جاب الله المحسوب أيضا على نفس الجماعة، في محاولة من المؤسسة العسكرية تشتيت أصوات التيار الإسلامي وخلق نوع من الصراع بين أطرافه وتشتيت أصوات كتلته الناخبة.
لكن هذه الخطوة لم تؤد إلى الهدف، بحيث لم يحصل "حماس" سوى على 5.4 بالمائة فيما لم يحصل النهضة الإسلامية سوى على 2.2 بالمائة بينما آلت إلى جبهة الإنقاذ 47.3 بالمائة خولته 187 مقعدا كما سلفت الإشارة إلى ذلك.
[يتبع]
الشركة المتوسطية للتحليل والذكاء الإستراتيجي
www.cmais-strat.com - [email protected]
+212 (5) 37 70 66 16 : الهاتف / +212 (5) 37 26 47 78 : الفاكس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.