الجزأ الرابع والأحير بعد أن تناولنا في الجزء الأول، كل من المفاوضة الجماعية، والتشاور الاجتماعي، والحوار الاجتماعي، ومدى مساهمتهم في ابرام اتفاقية الشغل الجماعية، وخصصنا الجزء الثاتي لمفهوم اتفاقية الشغل الجماعية و أهميتها ثم ابرامها، وفي الجزء الثالث تطرقنا إلى نطاق تطبيق اتفاقية الشغل الجماعية، ففي هذا الجزء الأخير سنخصصه لجزاء الإخلال بالتزامات اتفاقية الشغل الجماعية،وتعميم نطاقها. رابعا : إتفاقية الشغل الجماعية 5. جزاء الاخلال بالتزامات اتفاقية الشغل الجماعية إن المشرع المغربي ميز في الجزاء القانوني الذي يترتب عن عدم تنفيذ اتفاقية الشغل الجماعية عدة حالات، بموجبها يحق لكل متضرر من جراء عدم تنفيذ الاتفاقية المطالبة قضائيا باصلاح الضرر، وقد نصت المادة 123 من مدونة الشغل على أنه ((يمكن للمنظمات النقابية للأجراء، وللمنظمات المهنية للمشغلين، وللاتحادات، المرتبطة باتفاقية شغل جماعية، أن تقيم دعوى باسمها الخاص، على غيرها من المنظمات النقابية للأجراء، أو المنظمات المهنية للمشغلين، أو الاتحادات، التي هي طرف في الاتفاقية، أو على أعضاء تلك المنظمات أو على أعضائها أنفسهم، أو على سائر الأطراف الذين ارتبطوا بالاتفاقية، لحملهم على تعويضها عما لحق بها من ضرر بسبب ما أخلوا به من التزامات))، كما نصت المادة 124 من مدونة الشغل على أنه ((يمكن للأشخاص الذي ارتبطوا باتفاقية شغل جماعية، أن يقيموا دعوى على باقي الأشخاص، أو المنظمات النقابية للأجراء أو المنظمات المهنية للمشغلين، أو الاتحادات، المرتبطين بالاتفاقية، لحملهم على تعويضهم عما لحق بهم من ضرر، بسبب ما أخلوا به من إلتزامات نحوهم))، من خلال نص هذه المادتين خول المشرع المغربي صراحة كامل الحق للمنظمات أو الاتحادات أو الأشخاص المرتبطة باتفاقية الشغل الجماعية، برفع دعوى قضائية في حالة إلحاق الضرر بهم، نتيجة خرق للاتفاقية، وتقام الدعوى باسم المتضرر. وفي هذا الصدد سنتطرف لأربع حالات وهي: الحالة الأولى/ دعوى الأجير ضد المشغل أو منظمته المهنية: يحق للأجير رفع دعوى قضائية ضد المشغل لمطالبته بتنفيذ اتفاقية الشغل الجماعية، أو الحكم له بالتعويض المستحق نتبجة الضرر الذي ألحق به، سواء كان الأجير عضوا في المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا التي ابرمت الاتفاقية الجماعية، أو إنضم إليها لاحقا، أم غير منتمي بتاتا لأية منظمة نقابية، فالحق يثيت للأجير بكيفية مستقلة عن منظمته النقابية أو عن المنظمة المهنية للمشغلين، مادم أنه تسري عليه الاتفاقية التي وقع الاخلال بمقتضياتها (المادة 124 من مدونة الشغل). الحالة الثانية/ دعوى المشغل ضد الأجير أو المنطمة النقابية: إذا سمح المشرع المغربي للأجير من مقاضاة المشغل أو المنظمة المهنية، فبالمقابل سمح للمشغل من مقاضاة الأجير أو المنطمة النقابية، بحيث إذا لم يراع الأجراء أو منظمتهم النقابية أحكام وشروط اتفاقية الشغل الجماعية المبرمة مع المشغل، فإن هذا الأخير له كامل الحق في مقاضاة الطرف المخل بالتزاماته. كما يحق للمشغل من مقاضاة غيره من المشغلين المرتبطين باتفاقية الشغل الجماعية، إذا لم يعملوا على احترام مقتضياته مما نتج عنه الحاق الضرر يه (المادة 124 من مدونة الشغل). الحالة الثالثة/ دعوى المنظمة النقابية باسمها الخاص على غيرها: خول المشرع المغربي صراحة للمنظمات النقابية والاتحادات المنتمية إليها والمرتبطة باتفاقية الشغل الجماعية، حق التقاضي، دفاعا عن مصالحها الخاصة، وكذلك دفاعا عن المصالح الجماعية لأعضائها وللمهنة التي تمثل (المادة 123 من مدونة الشغل)، كما يسمح لها برفع جميع الدعاوي الناشئة عن الاخلال بالاتفاقية الجماعية لمصلحة كل عضو من أعضائها، دون الحاجة إلى الإدلاء بتفويض خاص عن المعني بالأمر، شريطة أن يكون هذا الأخير قد أشعر بالدعوى وعدم اعتراضه على الدعوى، مع الاعتراف له بأنه يتدخل شخصيا، وفي أي وقت فيها مادامت قائمة (المادة 125 من مدونة الشغل)، بالاضافة إلى ذلك خول المشرع المغربي لها الحق في التدخل، في أي وقت، وفي أي دعوى قد يقيمها شخص، أو منظمة نقابية للأجراء، أو منظمة مهنية للمشغلين، أو للاتحادات، المرتبطة باتفاقية الشغل الجماعية، إذا كانت الدعوى ناشئة عن هذه الأخيرة، وكانت وقت التدخل مازال قائمة، وذلك اعتبارا للمصلحة الجماعية التي قد تعود على أفرادها بسبب حل النزاع (المادة 126 من مدونة الشغل). الحالة الرابعة/ دعوى المنظمة المهنية للمشغلين: الحق الكامل للمنظمات المهنية للمشغلين، من رفع الدعاوى باسمها، ضد الأطراف الأخرى، إذا ما أخلوا بالتزاماتهم ونتج عنها الضرر(المادة 123 من مدونة السغل)، كما لها أيضا الحق بموجب المادة 126 من مدونة الشغل التدخل في جميع الدعوي التي قد يقيمها طرف من الأطراف المبرمة على اتفاقبة الشغل الجماعية، أما نزاعات الشغل الجماعية[1] والفردية التي يمكن أن تقع بين الأطراف المرتبطة باتفاقية الشغل الحماعية، فيتم تسويتها في حالة عدم تضمينها داخل الاتفاقية، وفق الاحكام التشريعية المعمول بها في هذا الشأن (المادة 127من مدونة الشغل ). وهكذا، اضافة إلى ان الطرف المخل بأحكام وشروط اتفاقية الشغل الجماعية، يصدر في حقه الحكم عليه بتعويض من لحق به الضرر، فإنه يمكن أيضا أن يخضع لعقوبة مالية من 300 إلى 500 درهم، وتتكرر عقوبة الغرامة بتعدد الأجراء الذين لم يراع في حقهم تطبيق أحكام اتفاقية الشغل الجماعية، شريطة أن لا يتجاوز مجموع الغرامات 20000 درهم (المادة 129 من مدونة الشغل). 6. تعميم نطاق اتفاقية الشغل الجماعية اعتبارا للدور الذي تقوم اتفاقية الشغل الجماعية في تنظيم علاقة الشغل داخل المقاولة أو المؤسسة الانتاجية بين الأجراء والمشغلين، ومدى الاهمية التي تحظى بها على المستويات القانونية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتفاديا لما يمكن أن ينشأ بعد ابرامها في مقاولة دون الاخرى أو مؤسسة دون الاخرى، مما سينعكس سلبا على وضعية الأجراء غير المعنيين بالاتفاقية، مما ذهب المشرع المغربي أسوة للتشريعات المقارنة، على إمكانية تعميم اتفاقية الشغل الجماعية على المقاولات أو المؤسسات التي لم تكن طرفا فيها حتى تشمل أكبر عدد ممكن من الأجراء. إذا كان المشرع المغربي من خلال المادة 104 من مدونة الشغل، قد اعتبر اتفاقية الشغل الجماعية هي عقد جماعي لتنظيم علاقات الشغل، فإنه لا يمكن أن تسري أحكام وشروط الاتفاقية سوى على الاطراف الموقعة عليها وتلزمهم، وكذا المنضمين إليها لاحقا من منظمات نقابية أو منظمات مهنية للمشغلين أو مشغلين، أي لا تلزم إلا من كان طرفا في العقد، عملا بمقتضيات القانونية والواردة في الفصل 228 من قانون الالتزامات والعقود. إن تعميم اتفاقية الشغل الجماعية على غير أطراف الموقعين والمنضمين إليها لاحقا، يعتبر عنصر من عناصر السياسة الاجتماعية للدولة[2] . وتعميم اتفاقية الشغل الجماعية على مستوى المقاولة أو المؤسسة والتي أبرمت من طرف المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا أو المنظمات المهنية للمشغلين أو المشغلين، وما لهذا التعميم من آثار هامة على مصالح وحقوق الأطراف الجدد الذي ستشملهم الاتفاقية، ستصبح بين الإلزامية والاختيارية في التطبيق، بحيث أن المشرع المغربي خول الصلاحية للسلطة الحكومية المكلفة بالشغل من تعميم اتفاقية الشغل الجماعية حسب الحالات، ولكن بعد وجوب توفر نصاب قانوني، الذي يمكن من معرفة ما إذا كان تعميم الاتفاقية الزامية أو أن تعميم الاتفاقية إختيارية. الحالة الأولى/ الزامية التعميم: إن الزامية تعميم اتفاقية الشغل الجماعية على الاطراف الجدد غير أطرافها الأصليين أو المنضمين، أو جبه المشرع المغربي على السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، من خلال المقتضيات القانونية الواردة في الفقرة الأولى من المادة 133 من مدونة الشغل والتي تنص على أنه (( إذا كانت اتفاقية الشغل الجماعية، المبرمة وفق الشروط المنصوص عليها في الأبواب السابقة من هذا القسم، تهم ما لا يقل عن ثلثي الأجراء التابعين للمهنة، فإنه يجب على السلطة الحكومية المكلفة بالشغل تعميم مقتضياتها بقرار على مجموع المقاولات والمؤسسات التي يشتغل فيها أجراء يمارسون المهنة ذاتها، سواء في نطاق معينة، أو في جميع تراب المملكة))، من خلال هذا النص يتبين أن السلطة الحكومية المكلفة بالشغل ملزم عليها تعميم الاتفاقية بقرار، شرط أن لا يقل عدد الأجراء عن ثلثي العدد التايعين للمهنة، كما أن التعميم ،سواء كانت الاتفاقية محددة في نطاق معين أو على صعيد التراب الوطني، يتم دون موافقة أوإعتراض من الأطراف الجدد. لكن، ماذا لو كان عدد الأجراء الذين يعملون في إطار عقود محددة المدة هم سبب في توفر النصاب القانوني، هل ستعمل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل على إلزامية تعميم الاتفاقية ؟ ثم كذلك ماذا لوكان النظام الداخلي في أكثر من مؤسسة، أكثر فائدة من اتفاقية الشغل الجماعية، فهل ستلجأ إلى تعميم مقتضيات هذه الاتفاقية بقرار؟ أم سيحل النظام الداخلي في هذه المؤسسات محل الاتفاقية الجماعية، ومن ثم ستصبح الاتفاقية الجماعية متجاوزة لدى الأطراف الأصليين والمنضمين، وهذا سينعكس على وضعية الأجراء والمؤسسة والمقاولة لهذه الأخيرة مما سيؤدي إلى صراعات ومواجهات داخلية فيما بين الأجراء وكذا بين المشغلين. الحالة الثانية/ إختيارية التعميم: إن المشرع المغربي خول كذلك الصلاحية للسلطة الحكومية المكلفة بالشغل، امكانية تعميم اتفاقية الشغل الجماعية في الحالة التي يقل عدد الأجراء عن ثلثي العدد، شرط أن لا يقل العدد عن خمسين في المائة من الأجراء. والتعميم في هذه الحالة ليس واجبا على السلطة الحكومية المكلفة بالشغل بقدر ماهو "امكانية" تستعملها متى شأت أو قد لا تستعملها، حسب الظرفية الاقتصادية والاجتماعية وكذا السياسية التي ستسمح في تنفيذ الاتفاقية، وإذا اتضح لها أن الظرفية مناسبة لتعميم اتفاقية الشغل الجماعية على باقي الأطراف غير الأصليين والمنضمين، ستعمل على إصدار قرار التعميم، ولكن بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا وكذلك مجلس المفاوضة الجماعية، وهذا ما جاء في الفقرة الثانية من نص المادة 133 من مدونة الشغل، على أنه ((إذا كانت اتفاقية الشغل الجماعية، المبرمة وفق الشروط المنصوص عليها في الأبواب السابقة من هذا القسم، تهم ما لا يقل عن خمسين في المائة من الأجراء، فإنه يمكن، بقرار من السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، ومجلس المفاوضة الجماعية، تعميم مقتضياتها على مجموع المقاولات والمؤسسات الي يشتغل فيها أجراء يمارسون المهنة ذاتها، سواء في نطاق معينة، أو في جميع تراب المملكة)). لكن، ماذا لو كان رأي الجهات التي تم الاستشارة معها في شأن التعميم الاختياري، معارض، خاصة وأن السلطة الحكومية المكلفة بالشغل هي الوحيدة التي تتوفر على سلطة القرار التي خولها المشرع، ويبقى القضاء الاداري هو الحاسم في الموضوع، بعد الطعن في قرار السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، بالالغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة، من طرف المنظمات المهنية للمشغلين، ولجوء المنظمات النقابية إلى الإعتماد على المادة 404 من مدونة الشغل، التي تمتعهم بالأهلية المدنية وبالحق في التقاضي. وتعميم اتفاقية الشغل الجماعية في كلتا الحالتين السابقتين، يكون عن المدة المقررة في الاتفاقية، بحيث نصت المادة 134 من مدونة الشغل على أنه ((تنتهي الصفة الالزامية لاتفاقية الشغل الجماعية الممدة، بانتهاء اتفاقية الشغل الأصلية)) بقلم: ذ. محمد المعاشي : باحث مختص في القانون الاجتماعي [email protected] ---------------------- هوامش: [1] محمد المعاشي،"الآليات القانونية لفض نزاعات الشغل الجماعية" المنشور في جرية الأحداث المغربية، أعداد من 4696 إلى 4999 المؤرخة في 10،11،12،13 يونيو2013، والمنشور كذلك عبر المواقع الالكترونية. [2] عبد اللطيف خلفي، "الوسيط في مدونة الشغل ، الجزء الثاني، علاقات الشغل الجماعية 2" المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، سنة 2009، ص 117