بسم الله الرحمان الرحيم فاتح ماي والاقتطاع من الأجور تميزت احتفالات ماي هذه السنة (2013) بمشاركة مكثفة للطبقة العاملة، رفعت خلالها شعارات مختلفة، كما حضرتها رموز نقابية وسياسية تنتمي إلى مختلف النقابات والأحزاب. سنة بيضاء، سنة عجفاء، لا زيادة في الأجور، التضييق على الحريات النقابية، وغيرها من التصريحات التي صدرت عن أكثر من مسؤول نقابي، غير أن الشعار الذي استأثر الاهتمام بين المتظاهرين والمحتفلين هذه السنة وشد انتباه المتتبعين هو الاقتطاع من الأجور الذي اعتبره المتظاهرون خطا احمر لا يمكن تجاوزه ولا المساومة عليه. فالحكومات السابقة على مختلف توجهاتها لم تقدم على سياسة اقتطاع الأجور، ظنا منها أن هذا الإجراء من شأنه أن يضرب في العمق أرزاق العاملات والعاملين ، فضلا عن كونه يشكل مسا خطيرا بالحريات النقابية وتقويضا لأشكالها النقابية والتعبوية. غير أن الحكومة الحالية، بقيادة حزب العدالة والتنمية ، جعلت من الاقتطاع من الأجور سياسة ممنهجة وسلاحا موجها اتجاه المضربين عن العمل، دون أن تكلف نفسها عناء في التحاور مع التمثيليات النقابية في هذا الإطار، وفي غياب أي نص قانوني تنظيمي مؤطر لقانون الإضراب الذي لم يصدر لحد الآن، الأمر الذي خلق جوا من التوتر داخل المؤسسات والمرافق والمؤسسات العمومية. إن ما تعيشه قطاعات : الصحة والتعليم والعدل ....وغيرها، دليل على مدى الاختناق الذي أضحى يميز فضاء هذه القطاعات ، وهو ما اعتبرته النقابات مسا خطيرا بحق من الحقوق الأساسية التي يكفلها الدستور وتقره الشرعة الدولية التي صادق عليها المغرب من قوانين ومواثيق دولية. فالعاملات والعاملون بهذه القطاعات والمؤسسات لم يفهموا كيف تقدم الحكومة الحالية على هذه السياسة وتصر على الاستمرار فيها دون أي وازع قانوني أو أخلاقي، سيما وان هذه الحكومة أضحت تعيش تناقضا مع هويتها الاجتماعية المدافعة عن حقوق الطبقة الشغيلة والعاملة. إن الاقتطاع من الأجور سياسة خارج القانون وخارج الأعراف النقابية وخارج القيم الإنسانية والكونية ، خاصة وان هذه السياسة تحرم العاملات والعاملين من أرزاقهم وقوت يومهم، وتضرب في حقوق الإنسان التي ناضل من أجلها العاملون والعاملات : الحق في العمل، والحق في الشغل، الحق في التعبير..... صحيح إن هناك ظرفية مالية واقتصادية ، محلية ودولية، خانقة تمس أكثر من بلد وأكثر من قطاع، لكن لا يجب أن تكون مبررا ومسوغا لاتخاذ إجراءات تقشفية وأحيانا تعسفية وماسة بكرامة الإنسان ، بل إن المنطق يستدعي ، في مثل هذه الأزمات، أن يفتح الحوار للنقاش، كما تفعل البلدان المتقدمة، وتبادل الآراء والأفكار حتى يمكن إصلاح ما يمكن إصلاحه وبالتالي تفادي تعقيد الأزمة وتأبيدها.