أمسكت يده التي تقشر أديمها جراء قصف الصقيع الجاثم على الدوار منذ إطلالة دجنبر. كان يضع طاقية بيضاء ملبدة، وخداه صورة طبق الأصل ليديه، وبعد برهة، وقفت تتأمل حظها العاثر في وهاد شمطاء جرداء إلا من شجيرات قصيرة نجرتها قطعان الماعز. وقفت بينما الصغير قد سرح بعيونه في مهامه وفيافي وكأنه يشاركها في نذب حظهما العاثر، لما اصطف الموت إلى جانب الفقر والهشاشة ونفذوا غارتهم في حق معيل الأسرة الذي كان على الأقل يوفر لهما بعض الدفء كزوجة وابن. تقدم نحوها برباعية الدفع التي كانت تتراقص على الأحراش، فظنته قائد المنطقة الذي يسكن على مشارف المدينة ويسلب الرحل حليب المشقة، لذلك، كان أن استدارت واتجهت نحو الخيمة وتناولت آنية من بلاستيك وملأتها بما جادت به قحالة المحيط من ضراع الماعز، ثم أقفلت وهي تهرول وكأن بها تريد أن تكفي القائد مزيدا من ضياع البنزين. كانت تهرول بينما قد أثارت انتباه الغريب فوق الفيافي، ولم تلبس الابتسامة محياها المهزوم إلا وعيناها تلمح الأخير ينزل من سيارته وهو يحمل في يديه كيسين مملوءين بما تسير من العطاء، وملابس للصغير الذي تشجع متقدما نحوه لما عرف انه ليس القائد الذي يحرمه من حليب هو في أمس الحاجة إليه. بقلم: محمد باجي