ما فتئت الدولة المغربية وكل السلطات القائمة على تحضير العملية الانتخابية المجمع إجراؤها خلال شهر شتنبر القادم، تدعو وتُذكر كل المعنيين بالشأن السياسي من الفاعلين والجمعويين والسكان وجميع المتدخلين في هذه العملية من مختلف المشارب إلى التريث والرصانة والنباهة لتفادي الوقوع في كل الانزلاقات والانحرافات التي قد تفضي إلى القيام بسلوكات أو إجراءات من شأنها أن تمس، بطريقة ما، مصداقية هذه العملية التي يُرجى ويُستعد لها بكل الوسائل من أجل أن تمر في أحسن الظروف، وفي أجواء نظيفة بعيدة عن كل الشبوهات التي قد تخل بالعملية الديمقراطية المنشودة. وتؤكد السلطات المعنية بأن هذه العملية لن يكتب لها النجاح إلا بامتثال الفاعلين، وبنضج أكبر، للرزمة القانونية المنظمة لها، التي ترسم بشكل دقيق وواضح مناطق وايالات ومجالات وحدود اشتغال كل العناصر الفاعلة فيها من الداخل ومن الخارج. وفي ذلك على ما يبدو دعوةٌ صريحة للفاعلين من أجل ضرورة تحمل نواميسهم الذاتية وتوجساتهم وانفعالاتهم النفسية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وتحذيرٌ كذلك للكيانات الوسيطة من أجل الابتعاد مسافات أكبر عن المستنقع الانتخابي، بغية تجنب الجميع لفعل التقهقر والانزياح إلى السبل والطرق المؤدية إلى المحظورات الاجتماعية والسياسية والثقافية والسلوكية التي لا شك أنها تفسد نزاهة الفعل الانتخابي وتفقد العملية السياسية ككل شأنها وغاياتها، و قد يؤدي كذلك إلى إفراز مؤسسات تمثيلية غريبة عن الذات والموضوع معا، ومنقطعة الوصال عن الواقع، وبالتالي تحاشي كل ما من شأنه ان يجعل الامال المعقودة على هذه الاخيرة بخصوص التنشئة الاجتماعية والسياسية، والبناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتنموي للمناطق المعنية تخيب وتبقى بعيدة المنال، والاكثر من ذلك تجعل الطريق الواصلة إلى تلك الطموحات تزداد عسرا وصعوبة. لعل هذا الخطاب يحمل تفاؤلا وأملا لتحقيق مرامي نبيلة، لكنه يشوبه لبس وهو أنه ليس وليد اليوم، كما يُجمع على ذلك عموم الجمهور المغربي بكل أطيافه، وذلك على الأقل من خلال التصريحات المتداولة عند العموم وعبر وسائل الاعلام، ولا هو كذلك من صنع اللحظة الآنية حتى يُوقع بالمرء وينجر مسرعا لتوجيه سهام النقد إليه، بل إن ما يجري هو على العكس من ذلك تماما، حيث دأب المجتمع المغربي والمحلي أيضا على مثل هذه المقدمات التي تسبق كل عملية انتخابية بغض النظر عن طبيعتها وزمنها ومكانها ، وألف الناس بما فيهم أولئك القاطنين بالقرى والبوادي والمناطق النائية مثل هذه البروتوكولات والترهات، كما يصفها البعض، وسئم الجميع من كل ما له علاقة بالانتخاب (2002، 2007) ذلك أن هذه الخطابات، حسب ما تتداوله الالسن المحلية بالخصوص، لا ترمي في حقيقة الامر إلا لغرض التكريس الفعلي لما تتم الدعوة الرسمية إلى تجنبه والتنزه عنه. وإذا كان الامر كذلك، فإنه اعتمادا على ادبيات عديدة أولت هذا الموضوع اهتماما واسعا ومن زوايا مختلفة، يمكن أن نقدم مجتمع الناخبين على صيغة ثلاث مجموعات تتباين بخصوص العديد من النقاط وتتقاطع في أخرى: أما الأولى فهي عبارة عن فئة عريضة من المجتمع المغربي ، تحوي عناصر من المتعلمين إلى جانب عناصر أخرى غير متمدرسين ،تشاطر الدولة تصريحاتها وخطاباتها الرسمية بتأكيدها على تفشي سلوكات متعددة ومختلفة تُفسد العملية الانتخابية، وتُخل بالآداب والاخلاق السياسية العالية، وتُجرد هذه العملية من النزاهة والشفافية والمحاسبة ،إلا أنه على الرغم من ذلك فإن هذه المجموعة لا تدعو إلى المقاطعة والعزوف والسلبية، ولا توجه أصابع الاتهام إلى أحد، بل تكتفي فقط بالاجترار والتغريد دون المساس بجوهر الاشياء مطلقا، كما أن عناصرها تنخرط وتشارك باجتهاد ومثابرة وفعالية كبيرة لهدف إنجاح العملية الانتخابية دون الاهتمام بما من شأنه تغيير مجرى الأمور من الداخل إلى حال أفضل والعمل على تقليص الشوائب المضرة والمفسدة لهذه العملية. أما المجموعة الثانية فهي تحوي هي كذلك عناصر مختلفة المشارب استسلمت لأمر الواقع، ورفعت أياديها عن الانتخابات وابتعدت كثيرا عن كل ما له ارتباط بها من قريب أو من بعيد (التصويت السلبي، المقاطعة، الامتناع عن التصويت، العزوف...). وتعزي ذلك بكون العملية الانتخابية لا فائدة منها ولا خير يرجى منها لصالح المواطنين، ذلك أنها في الجوهر ليست سوى لعبة بليدة يوظفها النظام الحاكم لخداع الشعب والزج بأبنائه في مستنقع التصادمات والنزاعات والخصومات، وبالتالي بث الضغينة في أوساطهم، وتشتيت شملهم عبر كسر الروابط التي تقرب بعضهم إلى بعض، وذلك بهدف الابقاء على سيادته واستمرارية حكمه وديمومته، وكذا الحفاظ على مصالحه الذاتية وتلك الخاصة بكل الذين يدورون في فلكه، وهذا بفضل إخضاع العملية الانتخابية لمنطق تقليدي استمد جوهره من طريقة تعاطي المخزن مع القبائل التي كانت آنذاك تؤثث المشهد السياسي والاجتماعي زمن السيبة، وعلى غرار ذلك فإن المشهد السياسي المغربي في نظر هؤلاء لا زال قائما على شاكلة قبائل وزوايا زمان الماضي، وأن تعاطي المخزن معها من خلال الانتخابات يقوم على أساس الوصاية ووفق منطق يعبر عنه بعبارة "فرق تسود"، أي أن النظام بسعيه إلى تمديد عمره وسيادته يعمل على مبدأ التحكم في الجميع عبر تفريق القبائل الحزبية والجماعات والافراد وتشتيتها بأساليب شتى. والمجموعة الثالثة فهي تتوسط بين المجموعتين السابقتين حيث تعترف جهرا ومن تلقاء ذاتها أي بعيدا عن الاجترار بسطوة الفساد وكل الأساليب التي تفسد العملية الانتخابية، وكذا بتجاوزات الدولة في توجيه الناخبين لصالح هذا أو ذاك، وتزويرها لنتائج الانتخاب وغير ذلك، إلا أنها لم تبقى مكتوفة الأيدي بل انخرطت في معمعان الانتخابات بكل قواها هادفة من وراء ذلك إلى تغيير مجرى الامور في اتجاه الرسو بها على بساط الامان حيث النزاهة والشفافية والمحاسبة تسري على الجميع. إنه على الرغم من جدية هذه التصنيفات وهذه القراءات، يبدو أن ثمة أحداث ووقائع انتخابية كثيرة لم تستطع الصمود أبدا أمام هذه المزاعم التي لا تخلو هي الأخرى على ما أعتقد من غلو، وتجانب الصواب في العديد من منطلقاتها ونتائجها، وذلك بصفة خاصة في ما يخص الانتخابات المحلية الجماعية التي لم يسبق لأحد أن اعترض عليها مهما كانت مجرياتها وكيفما كانت النتائج التي أسفرت عنها، فهي بالمقابل تعرف انخراطا كثيفا من قبل الجميع عاطفيا وسيكولوجيا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا، كما أنها كانت في العديد من الاحيان خاضعة لدوافع وآليات خالية من الروح السياسية بقدر ما هي وثيقة الصلة بالهاجس الثقافي وعوامل أخرى، ويلاحظ أيضا أن الجميع متساوون في الانخراط في هذه العملية، فليس هناك فرق بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون، والذكور والاناث، والعاطلون والمشتغلون، والاموات والاحياء، والصغار والكبار... الخ. إن الحقيقة التي لا مراء فيها حسب اعتقادي هي أن الجميع يرتمي في أحضان قبيلة تمتلك بالطبع عقلا جمعيا ونظاما وآليات عديدة للإكراه لا يستطيع المرء الخلاص من قبضتها نفسيا وذهنيا وثقافيا وسلوكيا، بغض النظر عن المسافة الفاصلة بينهما على مستوى المكان والزمان، بعد قبول الانخراط في اللعبة التي تنبني عليها ديناميتها وتفاعلاتها الداخلية حيث المماثلات والمتناقضات والانقسامات والتحالفات تتعايش مع بعضها البعض في دائرة مغلقة تجدد نفسها بذاتها. يؤدي هذا الانغماس في معشر القبيلة إلى التعاطي العاطفي والقيمي القرابي الصرف مع الاحداث المحلية، ورغم تعدد وتنوع آليات الاشتغال المعتمدة لذلك فإن الهدف يبقى هو نفسه متمثلا في المشاركة الفعالة وبقدر المستطاع من الدينامية والنشاط في العملية الانتخابية بما يكفل لها النجاح والاستمرارية عبر الزمن. على هذا الاساس، حرصت، كما يقال، على دفن الرأس تحت كومة من الرمال وأخفيته درءا لهذه الزوبعة السياسية التي تغض الطرف عن ما يجري محليا خلال العمليات الانتخابية التي تأكد بالملموس أنها من جهة أولى لم تعرف منذ البداية (1963) مقاطعة تذكر، ما خلا مرة واحدة خلال السبعينات بسبب أحداث ذات طبيعة تقنوية حزبوية لا تمت للمواطنين بأية صلة، واتضح من جهة ثانية مدى الرعاية والاهتمام التي حظيت بها هذه الانتخابات من قبل المحليين في كل مناسبة. كما عملتُ، بحسن النية، على ترك كل شيء يسري في طريقه بكل أريحية وعلى سجيته، حتى انقشع السديم، وانفقأ الدمل وسال منه الصديد، وانكشف المحظور بشكل ملموس، وأزيلت ستائر المطبخ حيث العمليات والترتيبات تجري، على قدم وساق، في الخفاء وفي بحر الظلام تحت ذرائع متعددة استعدادا لخوض المعارك الانتخابية الصغرى منها والكبرى. هذا ما يجري بالضبط هناك في مدينة مريرت بلادي التي استُرخصت أصواتها الانتخابية ووُضعت ذممها في المزاد العلني يتداول الفاعلون بخصوص أثمانها ومزاياها في سوق النخاسة السياسية، حيث الألاعيب والحيل والدهاء وكل أساليب الاستقطاب مباحة بغض النظر عن مشروعيتها، إن هذا المجال الترابي(أي مريرت) يشكل على ما أعتقد مثالا واقعيا باستطاعته أن يعكس بكل دقة ما ذكرناه سالفا، وبالتالي تقديم حجة دامغة تأكيدا لطرحنا. سنتناول من خلال هذا المثال نقطة أساسية لا نراها كافية لدحض ما ننتقده وتأكيد مزاعمنا، ولكنه يظهر أن بإمكانها إماطة اللثام عن اللامفكر فيه وإزالة الغبار عن الاساليب العتيقة التي تؤثث المشهد السياسي المريرتي والانتخابي بصفة خاصة، ويتعلق الامر بميكانيزمات وآليات استقطاب الناخب المحلي بهذا المجال، إذن كيف يتم ذلك؟ إن الملاحظة الأولى التي يمكن أن تثير انتباه أي متتبع لما يجري داخل هذا المجال الترابي هي أن الكلام اليومي المتداول بين الناس هناك يغص بكلمات ومصطلحات وعبارات ذات دلالات عميقة وإيحاءات ومعاني سياسية بامتياز تحمل في ثناياها علامات التقدير أو الرفض اتجاه هذا الشخص أو ذاك، ويمكن أن نغترف من القاموس المحلي العديد من الامثلة على ذلك: "هدا الله اعمرها دار"، "هداك راجل"، "الا اوقفت عليه غد اقضلك الغرض"، "خيمة كبيرة هدك"، " هدا عندو معرف مع الناس الكبار"، "عندو أ عندو ..." هو من أيت فلان.." ...الخ. إن ما توحي به هذه العبارات هو ان الشخص المرغوب لدى الاهالي هناك هو ذاك الذي تتوفر فيه شروط بعينها لا تمت بأية صلة لإرث سياسي أو لإيديولوجية أو لبرنامج سياسي أو لانتماء حزبي أو لشيء أخر من هذا القبيل، وإنما هي شروط ذات طبيعة شخصية ينبغي أن تتوفر في الشخص ذاته كامتلاك المال الوفير، وحيازة للعقار والاراضي الشاسعة، وامتلاك قطعان المواشي من كل الأطياف بأعداد وفيرة، والقدرة على الانفاق وإقامة الولائم والموائد الجماعية الفخمة وتوزيع وتقديم الطعام بسخاء كبير، وكذا القيام بشتى مظاهر الاستعراض الاجتماعي، ومنح الهدايا، وتقديم الخدمات الضرورية، والتمتع بالنفوذ والسلطان والقيام بالوساطات، وامتلاك شبكات واسعة من العلاقات والمعارف خاصة مع كبار رجالات المخزن، ثم التمتع بنفوذ روحي عميق...إلخ. يظهر بجلاء أن هذه الصفات لا يتمتع بها عموم الناس بل تنحصر فقط لدى فئة قليلة منهم ويتعلق الامر هنا بأولائك الذين يصطلح عليهم بالأعيان، فمن هو العين إذن؟ وهل العين فقط هو من يُرشح نفسه للانتخابات؟ وكيف يستطيع العين استقطاب الاصوات الانتخابية؟ يمكن أن نعرف مفهوم العين كما أورده الهادي الهروي كما يلي: "الاعيان: ج.عين، وهو سيد القوم وشريفهم، شخص داخل نخبة محلية أو إقليمية يستمد سلطته كمقدم أو شيخ أو قائد أو كمجرد عضو من «أجماعة» ، من حظوة شخصية أو انتماء إلى عائلة قديمة أو جديدة تخول له مركزا داخل الجماعة التقليدية ونوعا من التمثيلية لدى السلطة"[i] . ويعتبر عبد الرحيم العطري من جهته العين بكونه شخص يعبر عن زعامة محلية تنشأ في مجتمع تراتبي تطبعه ظاهرة الندرة. وفي السياق ذاته يذكر أحمد التوفيق بأن هناك "فرق بين أعيان البادية وأعيان المدينة. فأولئك هم أساسا ملاكون زراعيون، وملاك قطعان الماشية، بينما تضم المدينة أمثالهم من الملاك الزراعيين الذين يزاولون بعض المعاملات التجارية إلى جانب استغلالهم للأراضي الزراعية المجاورة، وحتى البعيدة في بعض الاحيان، كما تضم تجارا وصناعا متخصصين"[ii]. يتضح إذن من هذا التعريف أن ظاهرة الاعيان ليست جديدة، بل تعود إلى زمن السيبة حينما كان الاعيان يلعبون دور الوساطة بين المخزن كسلطة مركزية ومجتمعهم المحلي، و برزوا كذلك بقوة خلال عهد الحماية كفاعلين أساسيين لا غنى لسلطات الحماية عن نفوذهم من أجل بسط سيادتها على القبائل الثائرة، وإذا خفت بريقهم وشأنهم نهاية الخمسينات وبداية الستينات، فإن النظام الحاكم قام بتجديد وإحياء أواصر القربى معهم لمواجهة القوى المنافسة له من أجل الحفاظ على الظفر بسدة الحكم. وعلى الرغم من اختلاف بسيط طبع هذه الاجيال الثلاث في أشكالها ومظاهرها، فإن عمق وأساس وجودها يبقى واحدا وهو الدخول في علاقات زبونية مع المخزن بشكل غير تعاقدي يتم خلالها تبادل المصالح بطريقة لا متكافئة بين الطرفين، لكن هذه العلاقات بين الطرفين يمكنها أن تتلاشى بسرعة إن خل أحدهما بالتزاماته وخاصة من جهة العين، مما يضطر بالمخزن إلى تعويضه بأخر يكون موجودا رهن الاحتياط. ونستطيع ملاحظة وتقفي آثار هذا المشهد بالمجال الترابي المدروس، حيث أن رؤساء الجماعات الحضرية والقروية بالمنطقة ليسوا من طينة العوام، وإنما تتوفر فيهم خصائص قريبة بشكل كبير من تلك المميزة للأعيان، مع إضافات قليلة تميز الأعيان الجدد عن سابقيهم: فنجد رئيس جماعة أم الربيع (ابن عون سلطة من رتبة شيخ) ينحدر من أسرة عريقة من حيث ارتباطها واشتغالها مع المخزن، في حوزتها أراض وعقارات شاسعة، وتمتلك قطعان الماشية بأعداد وفيرة، لها كذلك من المال ما يجعلها تحتل قمة الهرم على هذا المستوى على الاقل داخل هذا المجال الترابي، وعلاوة على ذلك فإنه (الرئيس) يمارس أنشطة تجارية واستثمارية مختلفة، ويتمتع بصفة جديدة غير واردة لدى سابقيه وهي صفة المقاول. أما رئيس بلدية مريرت، فهو وإن كان لا ينحدر من أسرة من نفس طبيعة الاول، فإنه بالمقابل يستمد المكانة ذاتها من العشيرة التي ينتمي إليها(قبيلة ايت سيدي العربي) والمشهود لها بحنكتها السياسية وزعامتها محليا، وأن الرجل يحوز عقارات وأراض واسعة، ويملك شركات في ذات المجال، ومشاريع تجارية واستثمارية مهمة، كما يتمتع بنفوذ واسع النطاق محليا وجهويا ووطنيا، ويحمل هو كذلك لقب المقاول. وجدير بالذكر أن نشير إلى أن طبيعة المهام التي يزاولانها بصفتهما مقاولان تعتريها الضبابية والشكوك، لاسيما أن الرأي العام المحلي يُجمع على أن كلاهما يشتغل في نوع من التجارة تضر عليهم أرباحا طائلة دون عناء يذكر!!!! أما النفوذ الروحي لديهما، فقد لوحظ خلال السنوات الماضية، احتدام الصراع بين الرئيسين حول اسبقية الانتساب لضريح "سيدي علي أبراهيم" الكائن بجوار عيون أم الربيع، والذي عمل رئيس بلدية مريرت على إحياء موسم به، والنبش في ذاكرته، الى غير ذلك. ونظرا للأهمية الاجتماعية والسياسية التي يحظى بها إذن هؤلاء بالمنطقة، فإن أي مرشح آخر في كلا الجماعتين غالبا ما يكون من اختيارهما، أو بصغة أخرى زبونا لدى أحدهما. حيث يبدو جليا أنه إذا كان المخزن قد وقع اختياره عليهما كعنصرين يحظيان بالمميزات والخصائص التي يراها مناسبة لتقمص شخصية العين الذي يمكن أن يضطلع بالمهام الموكولة إليه محليا لصالح المخزن بالشكل المطلوب من أجل الحفاظ على الاستقرار ومصالحه الخاصة، فإنهما بدورهما يقومان بنهج الطريقة نفسها ويسيران على نفس المنوال، حيث إنهما إذ يسعيان إلى الحفاظ على مكانيهما كرؤساء لبلدية مريرت وجماعة أم الربيع فإنهما يعملان على احتواء الاجواء السياسية المحيطة بهما عن طريق اختيار ودعم العناصر، التي تبدو لهما قادرة على الاضطلاع بالمهام المنوطة بهم كمستشارين داخل المجلسين البلدي والقروي، للترشيح من داخل لائحة الرئيس داخل المجال الحضري، وبالعشائر التابعة لجماعة ام الربيع كذلك. وكي يتوفق هؤلاء الاعيان في مساعيهما، فإنهما يلجئان إلى استعمال آليات واستراتيجيات وأساليب مختلفة للاشتغال على جميع الأصعدة وذلك عبر مرحلتين مهمتين نوجزهما كما يلي: 1- أما المرحلة الأولى فتهم الاشتغال على مستوى العشائر(القبائل، الأسر الممتدة)، حيث يتم تدخل العين على صعيد القبائل لمشاركتها أفراحها وأتراحها (كالاعراس، الجنائز، التعازي، الولائم، تجمعات...) وفض بعض من مشاكلها الداخلية (كالنزاعات بين بعض الاسر، تقديم مساعدات...) قيام الصلح بين عناصر من قبائل مختلفة، وكذلك التوسط لدى بعض الاسر أوالقبائل إلى المخزن؛ وبالموازاة مع ذلك، فانه يعمل على خلق صدامات بين أسر من نفس القبيلة أو بين أسر من قبائل مختلفة؛ إن العين بقدر ما يجود على رعاياه بقدر ما يزج بهم في خصومات ونزاعات تفقر إياهم وتدفع بهم إلى الاستنجاد بعطفه وتدخله. 2- أما المرحلة الثانية فيتم الاعتكاف خلالها على الاشتغال على مستوى الجماعات الصغيرة(الأسر الصغيرة) والأفراد، حيث يوكل العين وسطاء كثر لاستقطاب الافراد عن طريق تقديم العون بخصوص الخدمات الادارية والتوسط للحصول على وثائق إدارية، تقديم مساعدات مالية عينية على شكل هبات وقروض، تحية العين إياهم ومد اليد للسلام عليهم في بعض الاحيان، تخصيص العين لفترات وجيزة للجلوس معهم على مقاعد المقاهي. تختتم هتان العمليات بحملات تصعيدية جنونية يفيض فيها الاكل والشراب والمال والبنون....لتأكيد الصفقات والتعاقدات (الكلمى). نستشف مما ذكرناه أعلاه أن هناك ازدواجية وتعارض صارخين في الخطاب والسلوك الممنهج محليا من جهة أولى، وذاك الذي يُعلن عنه في الخطابات الرسمية ذات الطابع المركزي من جهة ثانية. وهكذا إذن تستحوذ على كل متتبع لهذا الواقع شكوك كثيرة بخصوص فحوى الرسائل المشفرة التي يضمرها ويختزنها هذا الواقع المريض بالانفصام، والغامضة كل المرامي والمساعي التي يُراد تأثيثها وبلورتها عمليا من الأعلى ومن الأسفل كذلك على تراب المجال؟ وثمة إذن ما يدفع إلى طرح تساؤلات أكثر من قبيل التالية: - ألا يعني ما يجري محليا في الوقت الراهن، أن المحلي لازال يحن إلى أمجاد الماضي المتسيب حيث التوتر والصراع من جهة، والتحالف والنظام من جهة أخرى يشكلان لازمة وخاصية تطبع علاقة المجتمع المحلي بالمخزن؟ - ألا يمكن القول من جهة أخرى بأن الدولة تهدف من وراء ذلك إلى طمس واغتيال معالم ديموقراطية جنينية منشودة داخل أوساط مختلفة من المجتمع المغربي عبر أليات وطرق ديموقراطية؟ ولفض هذه العموميات والتقرب أكثر من جوهر الاشكال، يبدو أن الأسئلة التي تتمتع بمشروعية أكبر في ظل كل هذه الظروف هي كالآتي: - كيف يتمثل الناس المحليون بالخصوص هذه المفارقات التي تجري أطوارها بمجالاتهم الترابية؟ - ما هي الدلالات العميقة التي يمنحونها للسلوكات التي تصدر عنهم، ولتلك التي من خلالها يتم التصرف حيالهم من قبل الفاعل السياسي خلال الفترات الانتخابية عامة؟ - ماهي الرهانات والمرامي والغايات التي ينتظرها المواطن المغربي عامة والمحلي خاصة من ممارسته للفعل الانتخابي؟ - كيف يستطيع المواطن الناخب المحلي أن يزاوج بين واقع مر يشهد بمظاهر جمة وواضحة على بخل ولامبالاة الفاعل السياسي اتجاهه في الوقت الذي يرتمي على أشلائه الثمينة المتناثرة من جهة، وسعيه (الناخب) بسرور وابتهاج منقطعي النظير لممارسة فعل التصويت لصالح من سينوب عنه على مقاس الفاعل السابق من جهة ثانية؟ - لماذا لا تثني الهموم والمشاكل اليومية التي يعيشها الناس جميعا والمرتبطة حلولها بالفاعل السياسي الذي يمثلهم، على إعادة النظر في من ينوب عنهم والعمل على محاسبته على تهوره ولامبالاته اتجاههم؟ - وكيف يمكن تفسير هرع وركض هؤلاء الذين يدّعون تارة أنهم مظلومون وتارة محكورين إلى الالتفاف على ذاك الذي كان بالامس متهما وقائما وراء مشاكلهم، ومعانقته بحماس وترشيحه للنيابة عليهم في ذات الامور مرة ثانية ومرات عديدة أخرى؟ - ما هي إذن المحددات العوامل الأساسية الكامنة وراء اتخاذ قرار التصويت، عند الناخب المحلي، لصالح هذا المرشح أو ذاك؟